مع تسارع آثار التغير المناخي وتراجع الموارد المائية، تبدو مؤشرات الخطر في العراق أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، وسط تحذيرات من خبراء بيئة يؤكدون أن البلاد تتجه نحو مرحلة حرجة تهدد الأمن الغذائي والسكان والنظام المناخي بالكامل.
كشف مدير مركز تغيّر المناخ في العراق، هاري ستيفانيان، صورة مقلقة عن واقع البيئة والمياه في البلاد، مؤكداً أن احتياطي المياه وصل إلى أدنى مستوى له منذ ثمانية عقود، وأن العراق يخسر ما يصل إلى 10% من أراضيه الزراعية سنوياً نتيجة التصحر وشح الموارد. وأوضح أن هذه التحولات دفعت ما بين 170 إلى 180 ألف شخص إلى النزوح داخلياً، وفق إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة.
وخلال حديثه اعلامي ، انتقد ستيفانيان السياسات البيئية الحكومية، مشيراً إلى أن العراق يطلق سنوياً قرابة 240 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، دون اتخاذ خطوات جدية لتنفيذ التزامات اتفاقية باريس التي تلزم الدول بخفض الانبعاثات بنسبة 2% سنوياً. وأضاف أن التركيز ينصب على زيادة إنتاج النفط بدلاً من الحد من الانبعاثات وتطوير سياسات التكيّف المناخي.
اختفاء تدريجي للشتاء.. وصيف يمتد لسبعة أشهر
وبحسب تقرير جديد للمرصد العراقي الأخضر، فإن العراق يقترب من فقدان فصل الشتاء تماماً، إذ ما تزال درجات الحرارة مرتفعة رغم دخول فصل الخريف، مع توقعات بأن يمتد الصيف من نيسان وحتى تشرين الأول خلال السنوات المقبلة.
ستيفانيان أرجع هذا الاختلال إلى تغيّر نمط الفصول، مشيراً إلى أن البلاد شهدت جفافاً في فترات كان يفترض أن تكون ممطرة، ما زاد من اضطراب النظام المناخي.
هواء ملوث يهدد الحياة
وفي جانب لا يقل خطورة، تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 23% من الوفيات المرتبطة بالجلطات القلبية في العراق وإقليم كوردستان ناجمة عن التلوث الهوائي.
ستيفانيان أكد هذه المعطيات، محذراً من أن استمرار ارتفاع الانبعاثات يضع البلاد أمام تحديات صحية خطيرة، خصوصاً في المدن المكتظة.
أزمة المياه تتفاقم والمعالجات غائبة
وحول ملف المياه، سلّط المسؤول البيئي الضوء على الانخفاض الحاد في مخزون المياه، محذراً من تأثيرات مباشرة على المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والأرز.
المرصد العراقي الأخضر من جانبه انتقد وزارة الموارد المائية لغياب خطة واضحة لاستثمار الأمطار الأخيرة، داعياً إلى الاستفادة منها في ثلاثة مجالات أساسية: معالجة ملوحة مياه البصرة، دعم مخزون السدود التي تراجع منسوبها إلى أقل من 4%، وإنعاش الأهوار التي شهدت صيفاً كارثياً.
نزوح متزايد يهدد الاستقرار الريفي
وأشار ستيفانيان إلى أن موجة الجفاف والتراجع الزراعي دفعت عشرات الآلاف إلى ترك قراهم باتجاه المدن، محذراً من أن استمرار هذه الحركة السكانية سيؤثر على الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي للمناطق الريفية التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة.
بهذا المشهد المليء بالتحديات، يلوح سؤال كبير حول مدى استعداد العراق لمواجهة موجة التغيّر المناخي المتسارعة، وما إذا كانت السياسات الحالية قادرة على الحد من آثارها قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة.