تراجعت عقود الذهب الآجلة من أعلى مستوى تاريخي بلغ حوالي 4,390 دولار إلى نحو 4,212 دولار اليوم، خلال جلسة الجمعة، وهذا أول هبوط حاد بعد سلسلة من الارتفاعات القياسية المتواصلة.
ويُعدُّ هذا التراجع المفاجئ اختبارا حاسما للأسواق بين احتمالية بدء موجة تصحيح (انخفاض الأسعار)، وبين استمرار الاتجاه الصاعد للذهب الذي بدأه هذا العام.
وتفاعلت الأسواق، فورا، مع ماصرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن التعريفات الجمركية المقترحة بنسبة 100% على السلع الصينية لن تكون مستدامة، مؤكدا في نفس الوقت أن اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ لا يزال قائمًا، مما خفّف من مخاوف المستثمرين بشأن تفاقم التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
ولأن الذهب، تقليديًا، هو ملاذ آمن واطئ المخاطر، ووسيلة تحوّط خلال فترات التوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين، كما أنه ينتعش في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. لذلك شهدت أسعاره ارتفاعًا بأكثر من 64% هذا العام، مدفوعةً بالتوترات الجيوسياسية، وتوقعات خفض أسعار الفائدة، وعمليات شراء البنوك المركزية، وتخفيض حجم احتياطياتها من الدولار لصالح الذهب، والتدفقات القوية لصناديق الاستثمار المتداولة.
والقراءة الأولية للحركة الأخيرة لسعر الذهب، بعد اختراق مستوى 4,000 دولار لأول مرة في التاريخ الأسبوع الماضي وتحقيق مكاسب سنوية تجاوزت 64%، تشير إلى أن الذهب واجه موجة بيع قوية مع اقترابه من مستويات عليا، ودخوله في منطقة التشبع، ولابد من عملية تصحيح.
بينما، في المقابل، لا تزال البيانات في الأسواق الآجلة تُظهر اتجاهًا تصاعديًّا متماسكًا، مع إشارات بيع آنية، مما يدعو إلى التكهّن بأن الأسواق تمر بمرحلة تصحيح مؤقتة ضمن اتجاه صاعد أكبر، دون كسر بنيوي في الاتجاه العام لحركة الأسعار.
سيتجه سعر الذهب، نزولا، لاختبار 4,200 دولار للأنصة، وربما 4,000 دولار للأنصة، وهو مستوى أساسي للحد الأدنى لنطاق الأمان، إذا استمر الذهب في تراجعه.
بينما، لو اتجه الذهب إلى الصعود، فإن عودة السعر إلى ما فوق 4,320 دولار للأنصة ستكون ممكنة، وسيعود الزخم الصاعد بسرعة، وسيختبر حاجز سعر القمة مجددًا.
ويبدو أن التحركات الحالية ما زالت محكومة بنمط تصحيح آني، وليست انعكاسًا هيكليًا، وهذا يعني أن منطقة 4,200 دولار للأنصة – 4,235 دولار للأنصة هي نطاق مراقبة لاتخاذ قرار الشراء، والاستفادة من هذا التراجع المفاحئ، إلا إذا تراجع السعر عند أدنى حد وهو 4000 دولار للأنصة، فسيكون هذا المستوى هو المفضل للشراء.
ويعتقد المراقبون أن هذا النوع من التصحيحات يعد طبيعيًا في سياق مزاجات الأسواق الحالية، ومع أن الذهب يمر الآن بمرحلة “تنفس سعري”، إلا أن الأساسيات الاقتصادية ما زالت داعمة له على المدى المتوسط والطويل.
والسؤال الأهم بهذا الصدد هو: هل هذا التصحيح هو فرصة للشراء؟
وللإجابة الفنية عليه، لابد أن نشير إلى أنه برغم التراجع الأخير، لا تزال مكاسب الذهب الشهرية عند 16% والسنوية عند 64%، ما يعني أن الاتجاه الصاعد لم يتأثر هيكليًا بعد.
لذلك لا بد من مراقبة نطاق 4,200 دولار للأنصة – 4,235 دولار للأنصة، والحد الأدنى المحتمل البالغ 4000 دولار للأنصة كمنطقة دخول محتملة للشراء في حال ظهور إشارات تراجع مؤكدة،
الخاتمة
تتجه الرؤية الشاملة لدى المراقبين والمستثمرين في الأسواق إلى: أن التصحيح الحالي “صحي وطبيعي” بعد موجة مكاسب قياسية، وتؤكد أن الزخم العام لا يزال داعمًا للذهب في ظل تزايد المخاطر الاقتصادية، وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية، واستمرار الطلب على الذهب، وتعتبر مناطق الدعم الحالية حاسمة بين استمرار التصحيح أو استئناف الاتجاه الصاعد.
د. شوان زنگنه 17/10/2025