عراقيون / مقالات رأي
تمر عليّ خلال تصفحي موقع التواصل الاجتماعي (tik tok) مئات المقاطع الصاخبة الخالية من اللغة السليمة، إضافة الى خدشها حياء السمع البشري الذي يستمتع بالجمال أياً كان.
ويتعكّز المرشحون من أصحاب هذه المشاريع على العالم الافتراضي عبر المصورين بالدرجة الأساس إضافة الى الحركات المونتاجية المرافقة للحن الخالي من اللون والطعم والرائحة.
يبدو أن بعض المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة في العراق، قرروا أن يستبدلوا “الخيمة الانتخابية” بمنصة “التيك توك”، وأن يختصروا وجع الرأس الناجم عن النزول إلى الشارع، بلقاء جماهيري، أو جلسة في حي شعبي، أو حتى جولة في السوق، بمقطع حماسي مدته لا تتجاوز الدقيقة، موسوم بإيقاع صاخب وأغنية مستوردة من حفلات الزفاف.
“مرشح المستقبل” هذا، لا تراه في حيّك، لا تسمع له موقفًا، ولا تجد له نشاطًا إلا داخل إطار رقمي مُزيَّن بفلاتر الأمل المزيف. يتمايل مع كلمات أغنية شعبية، وكأنه يُسوّق نفسه لحضور مهرجان، لا لخوض معترك تشريعي يفترض فيه الوعي السياسي والثقل المجتمعي.
في نينوى، المدينة التي عرفت معنى الغياب الحقيقي للدولة في أصعب الظروف، يحتاج الناس إلى من يطرق أبوابهم لا من “يطرق” شاشاتهم. يريدون من يسمع أنين أرامل الحرب لا من يسمع صدى “تريند”. فهل أصبح الطريق إلى مجلس النواب يمرّ عبر خوارزميات الترند بدلاً من نبض الناس؟
لسنا ضد التطور أو استخدام أدوات العصر، فالتيك توك وغيره من المنصات أدوات فعالة حين تُستخدم لإيصال صوت حقيقي. لكن حين يتحول البرنامج السياسي إلى “كليب”، وحين يصبح المحتوى عبارة عن “جاذبية بصرية” بلا مضمون، فثمة خلل لا يُصلحه إلا صناديق اقتراع واعية، لا تتأثر بمؤثرات صوتية.
إن الانتخابات، لمن لم يُبلغه أحد، ليست مسابقة “أفضل أداء على السوشيال ميديا”، بل مسؤولية تاريخية أمام مجتمع لا يزال يفتش عمن يمثّله بصدق. وإن كان المرشح لا يجرؤ على النزول إلى الشارع قبل الفوز، فبأيّ وجه سيقابل الناس بعد أن يجلس تحت قبة البرلمان؟
ختامًا، ربما على بعض المرشحين أن يعلموا أن “أغنية حماسية” قد ترفع نسب المشاهدة، لكنها لا تبني جسور الثقة، وأن الطريق إلى مجلس النواب لا يمرّ عبر “المؤثرين”، بل عبر أن تكون مؤثراً في واقع الناس فعلاً لا فيديو.
المعادلة تقضي بنتيجتها الصحيحة حول عدد من صافحت عزيزي المرشح، وكم الذين ابتسمت في وجههم، وعدد المنازل التي دخلتها، والمشاريع الواقعية التي نفذتها على الأرض، وإلا فالنتيجة محسومة وهي الخسارة لا محالة.