Posted in

 سدود العراق تئن تحت الجفاف… دجلة يتراجع ودوكان خارج الخدمة 

عراقيون / ازهر صباح

وسط صيفٍ يزداد لهبًا، وأرضٍ تتشقق من العطش، يقف العراقيون على أعتاب موسم هو الأصعب منذ سنوات، موسم لا يحمل في طيّاته سوى التحذيرات والانقطاعات والقلق. فالالكهرباء، شريان الحياة اليومية، توقفت في بعض المناطق مع جفاف السدود.

سد دوكان، الذي لطالما كان مصدرًا للطاقة والمياه في إقليم كردستان، يعاني من انخفاض خطير في منسوب مياهه، ما أدى إلى توقف تام في إنتاج الكهرباء، ليكشف بذلك حجم الأزمة التي تتراكم بصمت منذ سنوات دون حلول جذرية. لا أمطار، لا غطاء أخضر، ولا سياسات واضحة، كلها عوامل اجتمعت لتجعل عام 2025 عامًا صعبًا كما وصفه خبراء المياه.

هذه الأزمة، كما حذّر خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة، ليست مجرد أزمة صيف عابر، بل إنذار مبكر لفصول أكثر قسوة إذا ما استمرت إدارة المياه بهذه الطريقة، دون حساب لمخزون استراتيجي ولا رؤية طويلة الأمد.

وقال حمزة، إن “عام 2025 سيكون صعباً وقاسياً، لأن درجات الحرارة عالية، والغبار متصاعد، ودرجات الحرارة المرتفعة ستستمر حتى شهر تشرين الثاني”.

وأضاف أن “انخفاض المياه في سد دوكان وسد الموصل وفي جميع البحيرات أدى لزيادة العواصف الغبارية، وعدم وجود الغطاء الأخضر، فضلاً عن وجود خلل في إدارة ملف المياه”.

وأشار إلى أنه “تم استخدام الخزين المائي لغرض إنجاح الموسم الزراعي، وعليه فالصيف سيكون صعباً، وانقطاع الكهرباء سيرتفع بشكل كبير، ولا توجد معالجة شاملة وسريعة، وهذا كان مؤشراً بسبب قلة هطول الأمطار، وكان يجب المحافظة على الخزين الستراتيجي للمياه بدلاً من استخدامه بطريقة غير مدروسة، والأمور لا تبشر بخير، لا من ناحية المياه، ولا من ناحية الكهرباء”.

وكان مدير إعلام كهرباء السليمانية سيروان محمد قد أكد في تصريحات صحافية أن “انخفاض منسوب مياه سد دوكان وقلة المياه هذا العام أدى إلى توقف إنتاج الكهرباء لعدة أيام”.

وأضاف أنه في أفضل الأحوال فإن ملء وزيادة مياه سد دوكان يمكن استغلال المحطات الموجودة في السد لإنتاج 400 ميغاواط من الكهرباء، لكن حالياً تلك الكمية هي صفر لأن المحطات غير مستغلة.

وقال إن المياه تكفي للشرب فقط ولا يمكن استخدامها لإنتاج الكهرباء، فيما تم إيقاف إنتاج الكهرباء بالتنسيق مع مدير عام السدود لأن لديهم خطط وبرامج خاصة بهم.

الموصل.. دجلة يكشف موقف سد الموصل

وفي الموصل، لا تبدو الصورة أفضل، بل تكشف بشكل أوضح عن عمق الأزمة. فقد انخفض منسوب نهر دجلة بشكل غير مسبوق داخل المدينة، ما أدى إلى ظهور جزر طينية وصخور كانت مغمورة بالمياه، خاصة في المناطق القريبة من الجسر الخامس. هذه الظاهرة التي لم يعهدها أهل الموصل من قبل، تؤكد بشكل واضح تراجع الإطلاقات المائية من سد الموصل، وهو ما يعكس نقصًا خطيرًا في مخزونه المائي.

سد الموصل، أكبر السدود في العراق، يعاني من انخفاض مقلق في منسوب المياه، ما تسبب أيضًا في توقف محطة توليد الكهرباء المرتبطة به. ووفق مختصين، فإن توقف تشغيل التوربينات في السد يحدث عندما ينخفض منسوب الماء عن الحد الأدنى المطلوب لتشغيل المحطات. ومع جفاف بعض أجزاء البحيرة، ظهرت مواقع أثرية كانت مغمورة بالمياه لعقود، كمدينة زاخيكو الميتانية، مما يُبرز حدة الأزمة.

وتشير تقارير مديرية بيئة نينوى إلى أن الوضع الراهن دفع الجهات المعنية إلى تكثيف مراقبة نوعية المياه وسحب العينات للتحليل، في محاولة للسيطرة على أي تدهور بيئي محتمل نتيجة هذا التراجع الكبير في الموارد المائية.

أزمة وطنية تلوح في الأفق

أزمة السدود في العراق هذا العام، وتحديدًا في دوكان والموصل، ليست أزمة محلية أو موسمية، بل أزمة وطنية تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا واستراتيجية طويلة الأمد لإدارة الموارد المائية. فمع شح الأمطار، وتفاقم آثار التغير المناخي، وضعف التنسيق الإقليمي حول تقاسم مياه الأنهار، بات من الضروري إعادة النظر في الخطط المائية والاعتماد على تقنيات الحصاد المائي وتطوير سياسات الاستدامة، قبل أن يتحول العطش إلى واقع دائم.