أستانة السورية والبغلات العراقية! عدنان حسين

 

 

خرج وفدا الحكومة السورية والمعارضة بنصف رضا عن نتائج المحادثات غير المباشرة التي أجرياها في العاصمة الكازاخستانية، أستانة، واختتمت أول من أمس، برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة روسيا وإيران وتركيا.

مع ذلك يُمكن القول إن ما تحقّق يمثّل تطوراً إيجابياً مادام الطرفان قد تعهّدا بوقف اطلاق النار في ما بينهما.. هذا يعني وقف عمليات القتل والتدمير الرهيبة التي تعيشها سوريا منذ ست سنوات. والمهم الآن تثبيت وقف اطلاق النار لتوفير بيئة مناسبة أكثر لجولة أخرى من المباحثات يُمكن أن تكون مباشرة هذه المرة أو في المرة التي تليها.

من النتائج الايجابية المهمة الأخرى أن الدول الأجنبية الثلاث المتورطة في الصراع المسلح السوري الداخلي قد توافقت في نهاية المباحثات، بحسب ما أكد البيان الختامي، على عدم القدرة على حلّ النزاع السوري عسكرياً، أي ان الخيار الوحيد للحل هو سلمي. وهذه نتيجة مهمة للغاية من شأنها ردع النظام السوري وحليفتيه، إيران وروسيا، عن التعويل على الحل العسكري ومواصلة الحرب العبثية.

هل يمكن رؤية ظلّ عراقي لمباحثات أستانة السورية؟.. بمعنى: هل يمكن تصور مباحثات عراقية – عراقية على غرار المباحثات السورية – السورية في العاصمة الكازاخستانية، إن في أستانة نفسها أو في سواها من مدن العالم؟

لا أظن، فالقضيتان، العراقية والسورية، مختلفتان وإنْ بدتا متشابهتين في الشكل وفي المضمون.

في سوريا الحكومة واحدة موحدة، وهو أمر غير قائم لدينا هنا في العراق، فالحكومة، والدولة عموماً، غير موحّدة، والواقع أن ما لدينا شبه حكومة في شبه دولة .. في حكومتنا وفي دولتنا توجد قوى هي جزء من هذه الحكومة وهذه الدولة لكنّها تتخذ وتلتزم موقف المعارضة، بل ان لبعضها علاقات وثيقة مع “المعارضة” المسلحة وغير المسلحة، بما فيها داعش وحزب البعث المحظور إجراء أي مباحثات معهما.

من جانب آخر ليس هناك وضوح في مسألة المعارضة التي يُمكن التفاوض معها للتوصل إلى حل سلمي للنزاع العراقي – العراقي.  الأطراف الرئيسة في العملية السياسية، وبخاصة الأحزاب الإسلامية الشيعية، ترفض كل إمكانية لحوار، وبالتالي مصالحة، ليس فقط مع داعش وحزب البعث، وإنما أيضاً مع “كل من تلطّخت أيديهم بدماء العراقيين”.. مَنْ هم هؤلاء غير داعش، وقبله القاعدة، وحزب البعث؟ .. لا أحد يفصح عما في باله على هذا الصعيد. كما ليس واضحاً ما إذا كان تعبير “من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين” يُمكن أن ينسحب على الميليشيات.

مرة أخرى وأخرى وأخرى، المشكلة في العراق ليست قائمة بين فريق الحكومة، أو الدولة، وفريق المعارضة، كما في سوريا. المشكلة الحقيقية في العراق هي بين فريقين في الحكومة والدولة، جماعات الإسلام السياسي الشيعي ونظيرتها السنّية، فضلاً عن المشاكل في ما بين هذه الجماعات كلاً على حدة.

حلّ هذه المشكلة لا يكون في أستانة ولا في طهران أو اسطنبول او الرياض او عمّان او الكويت أو سواها .. الحل يكون في مدينة عراقية، العاصمة بغداد بالذات، فإذا ما نزل كلّ من الفريقين من بغلته، كما يقول المثل الشعبي العراقي، سيمُكن حلّ المشكلة العراقية ووقف عمليات القتل والتدمير الرهيبة الجارية هنا أيضاً للعام الرابع عشر على التوالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *