76 عاماً زاخراً بالمنجزات والمكاسب الوطنية

عراقيون/متابعة

تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في ظل أوضاع شائكة وصراعات بين الدول الكبرى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي ظروف صعبة للغاية وبالأخص بعد انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد في عام 1945، إذ كان السادس عشر من آب عام 1946 ولادة فكر وطني قومي جديد يؤمن بالديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان والحريات الفردية تمثل في تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد مخاض عسير وبجهود جبارة من قبل القادة والمفكرين الكورد وعلى رأسهم الخالد مصطفى بارزاني.

لم يتشكل الحزب كتنظيم سياسي اعتيادي في تلك المرحلة، إذ حمل هموم أمّة مزقتها مصالح ومعاهدات واتفاقيات الدول الكبرى، وكان لا بد من تشكيل تنظيم سياسي يعمل وفق منهج علمي مدروس لاستعادة ثقة الجماهير بنفسها بالاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى بما ينسجم مع الواقع الكوردستاني، ومرّ الحزب خلال مسيرته النضالية بين 1946 و2022 بمراحل مختلفة من المد والجزر أملتها عليه ظروف ذاتية وموضوعية.

خلال مسيرته الشاقة والطويلة، حقق الحزب مكتسبات كثيرة على مستوى كوردستان والعراق، لا يتسع المجال إلقاء الضوء عليها في هذا المقال، كونها تحتاج كتب ومجلدات لتدوين جميع تلك المكتسبات، لكنني سأشير هنا إلى المكتسبات الكبرى التي تحققت لمصلحة الأمة الكوردية والعراق بشكل عام.

من أهم تلك المنجزات هو اعتراف الدستور العراقي المؤقت الذي كتب في عهد عبدالكريم قاسم بشراكة الكورد في العراق والذي نصت المادة (4) منه على أن (العرب والكورد شركاء في الوطن) إذ كان هذا الاعتراف الدستوري بمثابة أهم منجز للحزب خلال السنوات الاثنتي عشرة الأولى التي مرت على تأسيسه. 

اتفاقية 11 آذار لعام 1970 التي وقعت بين الحكومة العراقية والقائد الرمز الخالد مصطفى بارزاني كانت إحدى المنجزات الوطنية الكبرى للحزب والتي اعترفت بحقوق الشعب الكوردي في العراق، فضلاً عن تقديم ضمانات للكورد للمشاركة في الحكومة العراقية والأهم اعتبار اللغة الكوردية اللغة الرسمية الثانية في البلاد ويلزم تدريسها في مدارس منطقة الحكم الذاتي وجميع المؤسسات التعليمية العليا، لكن قضية كركوك التي كانت إحدى أهم بنود الاتفاقية لم يتم التوصل إلى حل حاسم لها، ما أدى إلى انهيار الاتفاقية المذكورة واندلاع القتال في كوردستان من جديد.

اتفاقية الجزائر لعام 1975 التي وقعت من قبل شاه إيران وصدام حسين في الجزائر كانت بمثابة كارثة حلت بالثورة الكوردية، لكن الحزب لم يستسلم للضغوطات التي مارستها طهران وبغداد ضده بل صمد ولملم جراحه من جديد لمجابهة الظروف القاهرة التي تلت الاتفاقية، حيث كانت ثورة كولان التي اندلعت في (26 أيار 1976) بمثابة زلزال كبير للنظام العراقي بعد أن خيم اليأس والإحباط على نفسية المواطن الكوردي جراء انتكاسة عام 1975، إذ تعد تلك الثورة مكسباً كبيراً آخر للحزب وإعادة الثقة لقاعدته الجماهيرية الكبيرة.

انتفاضة عام 1991 التي خطط لها الحزب مع القوى الكوردستانية الأخرى هي إحدى المنجزات الكبرى للحزب، حيث كانت تلك الانتفاضة الشعبية بمثابة بركان هز أركان النظام في بغداد وانهارت قواته العسكرية الجبارة أمام صولات وهتافات المنتفضين، لتتحرر جميع القرى والقصبات والمدن الكوردية من براثن النظام البعثي الدكتاتوري والشروع بعمليات الإعمار وبناء المؤسسات والدوائر الحكومية وإعادة الحياة إليها بعد قرار النظام سحب دوائره ومؤسساته منها.

كما كان للحزب الديمقراطي الكوردستاني دور كبير في بناء كيان إقليم كوردستان وتشكيل برلمان كوردستان وحكومة الإقليم بالتعاون مع مختلف القوى السياسية الكوردستانية الأخرى، إن ما يشهده إقليم كوردستان اليوم من تطورات كبيرة على مختلف الصعد ودوره المؤثر على المستويات المحلية والإقليمية والدولية يعد منجزاً آخر يضاف للمنجزات والمكتسبات التي حققها الحزب.
المشاركة القوية والمؤثرة للحزب في الإعداد والإسهام في التخطيط لعملية إسقاط النظام الدكتاتوري من خلال المشاركة في المؤتمرات الكبيرة التي عقدتها المعارضة العراقية برعاية الولايات المتحدة في واشنطن ولندن وصلاح الدين، تعد من المنجزات المهمة للحزب في تاريخه النضالي المشرف.

كان للحزب الدور الأكبر والريادي في السعي والتخطيط لإجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان الذي جرى في 25 أيلول سبتمبر من عام 2017 والذي يعد من أهم المنجزات الوطنية لشعب كوردستان، وأصبحت هذه الوثيقة الشرعية الشعبية من أكبر المكاسب التي حققها الشعب الكوردي خلال القرن الماضي، حيث صوت 92% من أبناء شعب كوردستان لصالح الاستقلال وإجراء حوارات مكثفة مع الحكومة الاتحادية، ورغم المشاكل والصعوبات والضغوطات المحلية والإقليمية التي واجهها إقليم كوردستان بعد هذا العرس الديمقراطي الكبير، إلا أنه يمثل تحولاً جذرياً للقضية الكوردية في العراق والشرق الأوسط بشكل عام. 

دور الحزب الديمقراطي الكوردستاني وشخص الرئيس مسعود بارزاني في العملية السياسية بعد إسقاط النظام وكتابة الدستور وتشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة والسعي لبناء عراق ديمقراطي حر مستقل، كان وما يزال دوراً رئيسياً بحيث لا يمكن تجاوز الحزب في المعادلات السياسية المحلية والإقليمية والدولية.

إن تلك المكاسب والمنجزات التي تحققت خلال 76 عاماً من النضال والتضحيات الجسام والدور الأساس الذي يلعبه اليوم في العملية السياسية العراقية، إن دل على شيء إنما يدل على أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ما يزال مؤثراً في أية متغيرات تطرأ على الساحتين الكوردستانية والعراقية وعاملاً مهما لاستقرار العراق والمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *