في توقيتٍ بالغ الحساسية يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة، كشف تقرير صادر عن المعهد الأوروبي للدراسات حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترجمته “عراقيون”، أن الولايات المتحدة تدرس خيار عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات العراقية ورفض التعاون مع أي حكومة تضم فصائل مسلّحة داخل مؤسسات الدولة.
ووفقًا للتقرير، يأتي هذا الموقف ضمن سياسة “الضغط الأقصى” التي تنتهجها واشنطن منذ عام 2024 للحدّ من النفوذ الإيراني في العراق، عبر مسارين متوازيين:
الأول سياسي–انتخابي يهدف إلى التأثير في توازن القوى داخل البرلمان المقبل، والثاني تشريعي–أمني يسعى إلى تعطيل أي محاولات لتوسيع صلاحيات هيئة الحشد الشعبي أو تحويلها إلى مؤسسة موازية للقوات المسلحة.
وأشار التقرير إلى أن مشروع تعديل قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016، الذي طُرح عام 2024 لتوسيع صلاحيات الهيئة وإنشاء مديريات وأكاديمية عسكرية خاصة بها، تم تأجيله في آب 2025 بعد ضغوط أمريكية مباشرة، وسط اعتراضات من كتل كردية وسنية وانقسام داخل البيت الشيعي نفسه.
كما أوضح التقرير أن واشنطن هددت بفرض عقوبات مالية وتعليق التعاون الأمني وسحب قواتها المتبقية البالغ عددها نحو 2500 جندي، في حال تمرير القانون بصيغته الحالية، معتبرة أن ذلك سيحوّل الحشد إلى “نموذجٍ موازٍ للحرس الثوري الإيراني” داخل العراق.
وأضاف أن المحكمة الاتحادية العليا والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الأحزاب تلقت شكاوى من منظمات مجتمع مدني تطالب باستبعاد 12 تشكيلًا انتخابيًا استنادًا إلى الدستور وقانون الأحزاب رقم (36) لسنة 2015، الذي يحظر الجمع بين النشاطين السياسي والعسكري.
وفي هذا السياق، قال النائب السابق والباحث في الشأن السياسي أيوب الربيعي في تصريحٍ لـ*”عراقيون”*، إن الحديث عن احتمال عدم اعتراف الولايات المتحدة بنتائج الانتخابات “مبالغ فيه وغير واقعي”، مؤكدًا أن العملية الانتخابية في العراق تُعد من أكثر التجارب شفافية وتنظيمًا في المنطقة.
وأوضح الربيعي أن التجربة الديمقراطية التي انطلقت بعد عام 2005 أرست نظامًا سياسيًا يقوم على إرادة الناخبين وصناديق الاقتراع، لافتًا إلى أن الانتخابات تُدار تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة وبمشاركة مئات المراقبين الدوليين وممثلي الكيانات السياسية، ما يجعل الطعن في نزاهتها أمرًا غير منطقي.
وأضاف أن الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية وطنية لا يشارك في الانتخابات ككيان سياسي، بل يحق لأفراده التصويت ضمن الاقتراع الخاص أسوة ببقية الأجهزة الأمنية، مؤكدًا أن تشكيل الحكومة المقبلة سيبقى قرارًا عراقيًا خالصًا تحدده صناديق الاقتراع لا رغبات الخارج.
واختتم الربيعي بالقول إن “الولايات المتحدة تمتلك مصالح في العراق، لكنها تدرك أن مرحلة الإملاءات انتهت، وأن العراقيين وحدهم من سيقررون شكل الحكومة المقبلة عبر أصواتهم، لا عبر التهديدات أو العقوبات”.
تُظهر هذه التطورات أن الانتخابات المقبلة تحولت إلى اختبارٍ حقيقي لإرادة الدولة العراقية بين ضغوط الخارج وتوازنات الداخل، إذ تحاول واشنطن إعادة رسم المشهد السياسي عبر أدوات الضغط، فيما يتمسك الفاعل العراقي بأن الشرعية تُستمد من الصندوق لا من التصنيف، ومن الإرادة الوطنية لا من قوائم العقوبات.
ويرى محللون أن الرهان الأمريكي على تقييد الحشد سياسيًا يهدف إلى إعادة ضبط العلاقة مع بغداد ضمن معادلة “شريك منضبط لا مستقل”، في حين تعتبر القوى الوطنية أن أي تدخل خارجي في نتائج الانتخابات يمسّ جوهر السيادة العراقية.
وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية وربط واشنطن ملفات الإصلاح السياسي بالملفات الأمنية والعقابية، يبدو أن الاختبار الحقيقي للعراق لن يكون في صناديق الاقتراع فحسب، بل في ما بعدها: هل سيتمكن النظام السياسي من الموازنة بين ضرورات التحالف وضوابط الاستقلال؟ أم أن الصراع بين النفوذ والسيادة سيعود بثوبٍ انتخابي جديد؟