Posted in

سعد سعيد الديوه چي يكتب| بوادر سقوط صنم القطب الواحد

عراقيون| مقالات رأي

بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي عام (1991م)، أخذت طبول الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة، تبشر العالم بقيادة واحدة تحت شعارات الحرية والديمقراطية والليبرالية، حسب قياساتها ولا غير

ولم ترض تلك الصيحات الى القبول بنهاية الإتحاد السوفيتي فقط، بل راحت تتقدم شرقاً بإتجاهه وضم حوالي (15) دولة كانت تحت جناح الإتحاد السوفيتي وحلف وارشو الى الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ضاربةً بعرض الحائط كل التعهدات بعدم التوجه غرباً وخصوصاً إتفاقية (1997م)

وعندما طل هذا القرن أثبتت الوقائع فشل نظرية القطب الواحد، خصوصاً في العراق الذي تركه الإحتلال الأمريكي ممزقاً ومتناحراً، وفي أفغانستان بعد الخروج المخزي منها وسقوط حكومة الدمى بشكل ساخر

أما الحرب الأوكرانية – الروسية فليس لها دلالة إلا تحدي روسيا للنظرية الغربية، وأنها لن ترضى بقيام دولة مهمة مثل أوكرانيا صاحبة ثاني أكبر مساحة في أوروبا، وسابع دولة من حيث السكان، على حدودها الغربية، رمت أوكرانيا بكل ثقلها في أحضان الرغبات الأمريكية، عسكرياً واقتصادياً والمتمثلة بتطويق روسيا ثم العمل على إضعافها وتفكيكها

فروسيا الحالية هي ليست روسيا عام (1991م) وريثة الإتحاد السوفيتي بعد أن استعادت قواها في معظم المجالات، فهي لن تقبل بإنضمام أوكرانيا الى الحلف الأطلسي

وكما يقول الاستاذ حسام عيتاني، فروسيا بالغة الحساسية حيال أمنها القومي، وهي سليلة إمبراطورية عظيمة قبل الإتحاد السوفيتي، وصاحبة النصر المدوي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، ولن ترضى إلا بعالم متعدد الأقطاب

ومن السخرية أن أوكرانيا إنضمت في عام (2003م) الى منطقة إقتصادية مشتركة مع كل من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، لتعود عام (2008م) لإبداء رغبتها في الإنضمام الى حلف الناتو، مما يشكا تناقضاً في مسيرتها السياسية وتقلبات غير واضحة

شعرت روسيا بما يضمر الغرب لها من نوايا نحو ضم أوكرانيا تحت جناحيه، فقامت بضم شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود عام (2014م) لأنها بالأصل جزءاً من روسيا، ضمها خروتشوف لأوكرانيا على أساس العرق الواحد والمذهب الواحد

والمتتبع للأخبار يرى أن الناتو كان يعد لإنضمام أوكرانيا إليه بنشر قواعد عسكرية في طول البلاد وعرضها، في هذا الزمن شعرت القيادة الروسية أن لا حل للمسألة إلا بالإستباق العسكري للمشكلة، تغيرت الأحوال فأعلن بوتين شروطه لوقف غزو أوكرانيا وأهمها إعلان الحياد لهذه الدولة وتوفير الضمانات اللازمة لذلك، ونزع سلاح أوكرانيا، وكذلك الإعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك كجمهوريتين مستقلتين وهما ذواتي أغلبية سكانية ناطقة بالروسية

والحقيقة أن الغرب وأمريكا لا تقبل بهذه الشروط بعد أن صرفت مليارات الدولارات على تنفيذ عشرات المعسكرات والمطارات في أوكرانيا وتجهيزها بالأسلحة المتقدمة، حتى ببعض المختبرات عن الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية كما يدعي الإعلام الروسي وهي مسألة غير مستبعدة، ناهيك أن المخزون النووي الأوكراني قبل تفكك الإتحاد السوفيتي يُعد بالدرجة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا، وأن القوة النووية الكامنة من حيث عدد المفاعلات والخبراء مسألة في غاية الأهمية

روسيا لم تقف مكتوفة الأيدي زهاء التحركات الغربية، فأقامت حلفاً عسكرياً مع عدة دول كانت ضمن الإتحاد السوفيتي هي بيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان وطاجكستان

إن مصدر قوة روسيا كونها مصدراً للطاقة لا تستغني عنه أوروبا في مجالي الغاز والنفط، ناهيك تقدمها السريع في مجال الأسلحة التقليدية والنووية، لذلك فإن أوروبا لا تريد أن تمتد نيران الحرب الى أراضيها، بينما لا تقيم الولايات المتحدة لهذه المسألة وزناً كالوزن الأوروبي رغم أن بولندا جارة أوكرانيا تسير في الإتجاه الأمريكي – البريطاني، وأنها حرب ربما تطول لعدة سنوات كما صرح بذلك وزير العدل البريطاني دومينيك راب في مقابلة مع الـ(BBC)

هذه الحرب منذ أن بدأت في (22شباط) الماضي في تصاعد خطير، ولا ندري الى حد كتابة ونشر السطور ما سيحدث من مفاجآت، فروسيا لن تتنازل عن شروطها والحرب تجري على أراض غير أمريكية، والأوروبيون لا يريدونها في أراضيهم والشعب الأوكراني يدفع الثمن باهضاً، كما دفعها العراقيون والأفغان.