محمدصالح البدراني يكتب| زغاريد بغديدة صرخة الم موصلية أخرى

عراقيون| مقالات رأي                                             
(عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً(.
أَيُّوبَ ١:‏٢٠-‏٢١
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
[ التوبة 51]
هنالك حيث اندمج الصراخ والرغبة بالخلاص مع آخر زغرودة في عرس أرادها الزوجان أن تكون بين أهلهما قبل أن يذهب إلى بلد آخر حيث يحملان معهما الذكريات إلى أبناء قد لا يروا العراق أو بغديدا وشاء الله أن تكون صرخة الم الموصل الأخرى من الفساد الإداري والمالي وسوء احتياطات الأمان بعد الخراب والعبارة والم مستمر من المعاناة ضريبة لتمسك أهل المدينة بها رغم الجحيم الذي هم فيه، والذي مع كل صرخة يأتي مسؤول ويشكل لجان تنسى لتذكرنا بها مجموعة أخرى من اللجان.
هذه المدينة تعاني في صمت وأهلها يتناسون الألم، والضغوطات غير المبررة على حياتهم اليومية فوق ما يتحمله كل عراقي من ضغط الاضطراب وسوء الإدارة والتضخم وصعوبة العيش، مدينة استشهدت مرات عدة في تاريخها وهي تنتج النساء والرجال العظام الذي لا يئنون من شكوى وإنما كالشجر لا يرد إلا بالثمر، الذي لم يعد اليوم يستفاد منه أصلا، وباتت الموصل عاطلة متعرضة لاضطهاد حقيقي وخراب نراه في ذاكرتها التاريخية وأسس افتخارها وتعطيل كوادرها التي كانت تعيد إعمار العراق وتنشئ بنيانه على مدى قرن وهو عمر العراق وتعطيه رجال الصدق والعمل، ولطالما قدموا وأعادوا وتخرج أياديهم نظيفة مهما حصل…. فما حصل لنرى الفساد ومن غثاء ظهر ليزيد سمعة المدينة العذراء سوء سمعة، تلك المدينة التي كانت دوما ينكسر الغزاة عند سياج حصونها وأبوابها، وإذا بها تخترق مناعتها ويشيع السواد والموت والعذاب الشنيع ويتفكك نسيج امتها وتنهار في امنها الغذائي النادر في البلدان، رغم أن الخير مازال فيها لكنه زفرات الم من الصامدين على الجروح.
خرجوا يوما يمثلون السعادة في غاباتها وما هم بسعداء، فحقيقتهم انهم أموات أحياء في أرضهم الغالية التي أضحت بيوتها القديمة ترابا، وتناثرت الحدباء التي تحكي قصة غيرة وعزيمة أهلها عند اشتداد الملاحم وحماية المقدسات واحد أسماء العراقة لمدينة تنوعت فكانت نموذجا لإبداع التنوع عندما يندمج ويشكل أمه، نعم إن الموصل كانت امه وروح دولة واكتفاء وإبداع، فضغط الألم الهمجي عليها وعلى أهلها المتمدنين فصمتوا على كل من جهل عليهم وزاد الضغط بسوء فهم الجاهلين ووضعها في قفص الاتهام بدل أن تراعى كضحية الكل بات يعرفها لكن للفساد اثر وها هو كل يوم يظهر عندما ركبوا عبارة الموت فصرخوا صرخة بعد صمت على الفساد، فاذا بها عبارة ليس فيها من شروط الأمان ولا اعتبار لقيمة الإنسان.
واليوم تذبح ابتسامة عروس بغديدة وفرحة عروسها الشاب وهو يفقد أهله، بل أحبابه ممن حضروا ليتنفسوا بعضا من ترويح عن النفس التي ضاقت، إنها زغاريد بغديدة صرخة الم موصلية أخرى، فإلى متى سنركب بحر الصمت الصابر ونمخر في البحر كبحار عاد من بين الأموات ليكمل مهمته المستحيلة والأخبار المتواترة عن عرس في الحويجة وخسائر كبيرة، اهو تضامن في المأساة أم إخبار جديد عن الفساد.
إلى عرسان بغديدة:
كما ترى فان اهلك الموجودين معك بعد اهلك ممن رحلوا وبارككما أهل نينوى بدموع وحسرات، لكن هذا لا ينبغي أن يبقى طويلا فهي أقدار رغم كل شيء، خذ عروسك الجميلة وارحل إلى حيث كنت تريد أن ترحل واحرص أن تبقي نظرة التأمل في عينيها وهي تنظر إليك أملا وأمانا، وأخفي صور الأحداث في دهاليز النسيان، إن دق ناقوسها يوما فترحم على من فقد وكان تلك اللحظة في قاعة من موطن الأحزان، ولعل الوطن حينها سيكون أفضل مما هو عليه الآن، عندها ستنادي نينوى أبنائها من الراحلين وترفع راية الإعمار حيث يطأ أبناءها بقدم وهم يحملون هممهم المسترجعة، فهذه مدينة تتجدد وتنثر الفرح والخير ولا تجتر الأحزان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *