صفحات مطوية من الحركة المسرحية في الموصل

طلال حسن

الصدفة تكون أحياناً هي البداية، لكن بدون استعداد وتهيؤ، لا يكون للصدفة مهما كان شأنها، أي دور أو أي أهمية، في تحديد مسار المستقبل.

وجاءت الصدفة، ففي عام ” 1964 ” من القرن الماضي، ربما في أواخر الصيف، مررت من أمام المدرسة الشرقية، وسط المدينة، وقرأت لافتة عن عرض مسرحي فيها بعنوان “فلسطين”.

وعلى الفور، دخلت قاعة المدرسة، حيث تعرض المسرحية، وجلستُ في الصف الأول، وتابعت المسرحية بشغف، وكانت من تأليف الأستاذ عبد الإله حسن، وإخراج الأستاذ عز الدين ذنون.

وقد تكونت عندي ملاحظات حول المسرحية، وقررتُ أن أكتب عنها، دون أن أعرف أي شيء، لا عن مؤلفها، ولا مخرجها، ولا أي ممثل من ممثليها.

وبالفعل، وبجرأة لا أحسد عليها، ورغم أن مسرحية “فلسطين”، هي أول مسرحية أشاهدها على خشبة المسرح، إلا أني كتبت عنها مقالة نقدية، وأرسلتها إلى جريدة “فتى العراق”، وهي من أهم وأعرق الصحف، التي كانت تصدر في الموصل.

وفوجئت، بعد أقل من أسبوع، بمقالتي تنشر في الجريدة، وفرحتُ جداً بذلك، فقد كانت أول مقالة تنشر لي، في تلك الجريدة العريقة.

وفي العدد التالي من الجريدة، صدمني ردّ ناري على مقالتي، كتبه مؤلف المسرحية الأستاذ عبد الإله حسن، ويبدو أنه “تحرى” عني جيداً، فقد أغدق عليّ مجموعة من الصفات منها “السارتري”، وكنت فعلاً من المعجبين بالكاتب الفرنسي جان بول سارتر.

وقد التقيت وقتها بالأستاذ سامي طه الحافظ، وهو محرر في جريدة “فتى العراق”، وكان مثالاً للدماثة والأدب فقال لي، إنهم في هيئة التحرير، حذفوا الكثير من العبارات ذات “العيار الثقيل”، من مقالة مؤلف المسرحية الأستاذ عبد الإله حسن، ونشروا ما يرونه مناسباً، فشكرته على موقفه النبيل.

لم أردّ على مقالة الأستاذ عبد الإله حسن، ولم ألتقِ به أو بمخرج المسرحية الأستاذ عز الدين ذنون، وكم كنت أتمنى أن ألتقي بواحد منهما، في أي مكان، لنتبادل الحديث عن هذه المسرحية، وعن مشاريعهما المسرحية القادمة في الموصل.

والطريف، أنني ربما بعد أكثر من سنة دخلتُ “كازينو النهرين”، التي كانت بمثابة بيتي الثاني، لأني كنت دائم التواجد فيها، وإذا بي أرى الأستاذ عز الدين ذنون، مخرج مسرحية فلسطين، والذي طالما كنت أتمنى اللقاء به، يجلس في حلقة أصدقائي، وكانوا يلتفون كالعادة حول الأستاذ المعروف ذنون شهاب وهو يخوض معاركه، التي لا تنتهي في الدومينو.

وجلست إلى جانب الأستاذ عز الدين ذنون وسلمتُ عليه، فردّ عليّ بأدبه الجم وبصوته الهادىء الخافت الذي لا يكاد يُسمع: أهلاً وسهلاً.

وملتُ على الأستاذ عز الدين ذنون، وقلتُ له: يبدو أنك لا تعرفني يا أستاذ عز الدين.

وحدقّ فيّ الأستاذ عز الدين ذنون وقال: عفواً، لا أذكر أنني التقيت بك من قبل.

فابتسمت له وقلت: أنا طلال حسن، وقد سبق أن كتبت عن مسرحيتك، فلسطين.

وعلى الفور ردّ عليّ الأستاذ عز الدين ذنون قائلاً: أقول أي جاهل كتب عني تلك المقالة.

هذه هي البداية، بداية علاقتي بالمسرح في الموصل، وبالفنانين المسرحيين فيها، وكذلك بداية علاقتي بالأستاذ الفنان المخضرم عز الدين ذنون الذي “بعد واقعة كازينو النهرين” صار من أعز أصدقائي، حتى وفاته المبكرة في الموصل.

وتابعت الأستاذ عز الدين ذنون، وتابعت كلّ ما قدمه فيما بعد في نادي الفنون، الذي كان مدرسة للفنون فعلاً في الستينيات وخاصة لفن المسرح، كما تابعته خلال عمله النشط في العديد من الفرق الأخرى، وخاصة فرقة “المسرح العمالي” التي كان من أنشط أعضائها الأستاذ محمود العزاوي، الذي صار في فترة ما، بعد التغيير عام 2003 عضوا في البرلمان عن مدينته الحدباء، مدينة الموصل.

جريدة عراقيون / العدد ٥٦٠ السنة السادسة عشر الثلاثاء ٣ – ٩ – ٢٠١٩ / ص6 ذاكرة مدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *