ابراهيم الدرويش ..المصور الفوتوغرافي الموصلي المنسي

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

والموصل هي الأولى في التصوير الفوتوغرافي العراقي، فالتصوير الفوتوغرافي العراقي بدأ موصليا وقد كتبت في هذا دراسة نشرت في أكثر من مكان، وقدمت في أكثر من صعيد، بدأ التصوير الفوتوغرافي في الموصل في القرن التاسع عشر وتعمقت جذوره في مطلع القرن العشرين، وتطور في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وبرز مصورون فوتوغرافيون كبار، ولاريب أن اثنين من الأصدقاء يتولون اليوم الكتابة عن التصوير الفوتوغرافي في الموصل هما الأستاذ موفق الطائي والأستاذ أنور الدرويش وأتمنى لهما الموفقية .

وقد برز من المصورين الفوتوغرافيين الذين توارثوا المهنة (أبا عن جد) آل الدرويش، وبيت الدرويش هم أولاد محمود الدرويش من بيوتات الموصل العريقة التي سكنت محلة القنطرة في منطقة باب الجديد في الموصل القديمة، يرجع نسبهم إلى علي وهو من حريث الطائية، وسموا بيت الدرويش نسبة إلى جدهم (درويش بن أحمد بن درويش بن علي بن عزاوي) ويستمر نسبهم إلى زيد الخير، ولدى أحمد بن درويش ولد آخر يدعى يونس ولديه، عبد الوهاب وعبد الرزاق الذي ينحدر منه الصديق ورفيق العمر الشاعرالمعروف الدكتور حيدر محمود عبد الرزاق .

أما أحفاد درويش فهم أولاد محمود وهم محمد وإبراهيم وعلي وحازم وزهير، وعند محمد الابن الأكبر لمحمود الدرويش ثمانية أولاد هم وحيد وسمير ورافع الذي شغف في دراسة وقراءة المقام العراقي، وعلي وهو عضو في بيت المقام في الموصل، ثم المهندس الزراعي غربي ثم ثامرثم الشاعر الأستاذ جاسم مدرس اللغة العربية المعروف، ثم أحمد ثم محمود المهندس والشاعر.

أما علي الدرويش) المصور المعروف موصليا وعراقياً وهو عضو الهيئة التأسيسية للجمعية العراقية للتصوير/ فرع نينوى وأميناً للسر فيها لدورات عدة وصاحب (ستوديو فينوس) التي كانت في شارع الدواسة منذ نهاية ستينات القرن الماضي ومصور مجلة الجامعة وصاحب مختبر الشرق للتصوير ومختبر البوادي في شارع حلب ومختبر النوارس في شارع الجمهورية، والتي تضررت كثيرا أبان تحرير مدينة الموصل .

وأولاد علي هم حسين) رئيس الجمعية العراقية للتصوير و(أنور) الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي المعروف والذي عمل في مطبعة جامعة الموصل مصمما لأغلفة الكتب أيضاً، ثم الشاعر (عبد الستار) الذي اعتمد عليه والده المرحوم علي الدرويش كثيرا في إدارة مختبرات التصوير لذكائه وفطنته في هذا المجال، ولا زال يدير مختبر الشرق البديل في بداية شارع المركز من جهة الدركزلية، ثم عبد الغني (أبو أحمد) مصورالمعهد التقني المعروف ثم عدي موظف الإعلام في المعهد التقني ثم عبد المنعم ثم ياسر الفنان الفوتوغرافي الذي عمل في المعهد التقني والذي حصل على جوائز عديدة قطرية ودولية في مجال التصوير، ثم الأصغر عز الدين أحد أبطال بناء الأجسام، والذي هاجر إلى أوربا سنة 2007، أما حازم فقد امتهن مهنة تصفية الذهب وهو معروف لدى سوق الصاغة، ولديه ولدان هما محمد وأحمد واللذان امتهنا مهنة التصوير، أما زهير فهو الابن الأصغر لمحمود الدرويش عمل في مجال النقل البري، ولديه سبعة أولاد هم يونس وزياد وعمر وعبد الناصر وعبد الستار وعبد الرزاق ومحمد .

ومن آل الدرويش الذي أريد اليوم أن أتحدث لكم عنه فهو المرحوم الأستاذ ابراهيم الدرويش الذي كان منسيا ولم تسلط عليه وعلى أعماله الأضواء، مع أن له صورا لمدينة الموصل متداولة تعد آية في الفن الفوتوغرافي من حيث الإضاءة، والزوايا، واختيار الأمكنة .

نعم كما قال عنه ابن أخيه الصديق أنور الدرويش فإن إبراهيم يعد جنديا مجهولا في عالم التصوير الفوتوغرافي، وهو من الأسماء المغمورة التي لم تحظ بنصيبها في الانتشار، وقد عرفنا الأستاذ إبراهيم درويش إنسانا بشوشا صاحب نكتة، يسعى لمساعدة الناس بشكل أو بآخر، أحبه كل من عرفه وتعامل معه، إبراهيم الدرويش اسم مهم في تاريخ التصوير الفوتوغرافي في الموصل والعراق، وثق بعدسته أغلب ساحات الموصل وشوارعها وخصوصا في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي.

ولد إبراهيم محمود درويش الطائي في محلة القنطرة سنة 1934، وكان عروبيا ناصريا وكان لديه ستوديو النجوم، وبسبب مواقفه القومية وخاصة بعد فشل حركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل في 8 اذار سنة 1959 ضد نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 أحرق الأستوديو الخاص به وكان يقع في منتصف شارع النجفي كما اعتقل أيضا لذات السبب.

بدأ حياته فنانا تشكيليا ورساما للبورتريهات وبشكل خاص صور وجوه المشاهير، حيث ان أغلب رسوماته كانت تزين جدران وواجهات المقاهي في زمنه، وكان مولعا بجمع الطوابع النادرة والقطع الأثرية، وكان يهتم أيضا بزراعة الورود وهو من عشاق ورد (الفل) بشكل خاص وكان يسقي شجرة الفل بماء الحناء وكانت تنمو لدرجة قد يصل حجمها إلى ما يعادل شجرة البرتقال.

امتهن التصوير في بداية الخمسينات من القرن الماضي واختار تسمية ستوديو النجو ) لولعه الشديد بمراسلة الممثلين والمطربين وجمع صورهم، كان من محبي الفنان العربي الكبير الموسيقار فريد الأطرش، وكان خفيف الظل وصاحب نكتة، أثار في وقته المشاكل بين كبار المطربين، وهو في الموصل من خلال الرسائل التي كان يرسلها، ومن بين هذه المشاكل كاد أن يوقع بين الموسيقار فريد الاطرش والموسيقار محمد عبد الوهاب، جمع الكثير من صور المشاهير وعمل على طباعتها وبيعها للباعة الموزعين المتجولين، وكان أيضا يطبع الصور التاريخية ويوزعها على طلبة المدارس كوسائل تعليمية .

قرر الأستاذ إبراهيم الدرويش اعتزال التصوير لأسباب شخصية في يوم 6 / 1 / 1971، وقام بتحويل الأستديو الخاص به وهو أستديو النجوم إلى مكتبة النجوم ثم إلى مكتبة القادسية، وهو أول من أدخل جهاز الاستنساخ إلى مدينة الموصل .

أقامت له الجمعية العراقية للتصوير – فرع نينوى معرضا شخصيا يتيماً بعد وفاته سنة 2002 في قاعة المتحف الحضاري بشارع الجمهورية .

توفي الأستاذ إبراهيم الدرويش سنة2001 عن عمر ناهز الـ (67) سنة بعد معاناة وصراع مع المرض، ومما يؤسف له أنني علمت بأن زوجته قد أحرقت كل أرشيفه الفني ، والمسودات التي تسجل أغلب معالم مدينة الموصل بعد وفاته بأيام، لكن ابن أخيه علي (عبد الستار الدرويش) استطاع ان ينقذ بعض المسودات من الحرق ومن ضمنها ما تم عرضه في معرضه الشخصي .

رحم الله المصور الفوتوغرافي الفنان إبراهيم الدرويش فقد كان فنانا أصيلا متمرسا بفن التصوير والفن التشكيلي بارعا في رسم البورتريت، إنسانا طيبا بسيطا متواضعا، ذو أخلاق رفيعة .

أبَّنَه زملاؤه ومن عرفوه معرفة دقيقة، فالفنان الأستاذ طارق الشبلي قال:”رحمك الله عمنا أبا ناصر وطيب ذكرك، خدم بصمت ورحل بصمت .. “

للمرحوم الأستاذ ابراهيم الدرويش ولدان الكبير اسمه عبد الناصر الذي بقي محافظا على مكتبة والده حتى دمرت أبان تحرير مدينة الموصل من سيطرة عناصر داعش سنة 2017 .

جريدة عراقيون / العدد ٥٦٠ السنة السادسة عشر الثلاثاء ٣ – ٩ – ٢٠١٩ / ص6 ذاكرة مدينة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *