ايران تبحث في دفاترها القديمة / بقلم: خيرالله خيرالله

 

 

 

تحتاج إيران إلى امتلاك القدرة والشجاعة على القيام بعملية نقد للذات قبل استفزاز الجيران العرب البعيدين والقريبين والتهديد باحتلال ارضهم وجزرهم.

 

هناك توتر إيراني غير طبيعي هذه الايّام. جعل التوتر كلمة الاستفزاز، بما تعنيه من تصرّفات عشوائية لا علاقة لها بالمنطق والواقع، عنوانا للتوجهات الايرانية في كلّ انحاء المنطقة، خصوصا في الخليج واليمن والمشرق العربي. لماذا التحرّش مجددا بالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين عبر الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله؟

 

لماذا العودة الى ممارسات معيّنة في جنوب لبنان للتذكير بانّ القوة الدولية المنتشرة فيه، بموجب القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن، ليست سوى رهينة لدى ايران وان الاستقرار في لبنان آخر هموم “الجمهورية الإسلامية”؟

 

مرّة أخرى تسعى ايران الى استخدام جنوب لبنان وأهله، غير مدركة انّ القرار 1701 حمى المنطقة وامّن لاهل الجنوب احد عشر عاما من الهدوء والاستقرار، وهذا امر يحدث للمرّة الاولى منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم… أي منذ ما يقارب النصف قرن!

 

كان من ابرز الدلائل على التوتر الايراني الكلام الصادر عن احد قادة “الحرس الثوري” عن تدمير إسرائيل في سبع دقائق ونصف دقيقة. ليست المرّة الاولى التي يتحدّث فيها مسؤول إيراني عن إزالة إسرائيل من الوجود. سبق لـ”المرشد” علي خامنئي ان هاجم إسرائيل بقسوة واعتبرها “غدّة سرطانية”. لكنّ الملفت، في ضوء الحملة المتجددة على إسرائيل، انّها جاءت في وقت تبدو ايران، التي لم تقاتل إسرائيل يوما، بل حصلت منها على اسلحة ابان الحرب الايرانية ـ العراقية بين 1980 و1988، في وضع لا تحسد عليه بعدما رحلت إدارة باراك أوباما. كان الهمّ الوحيد للادارة الاميركية السابقة محصورا في كيفية المحافظة على الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني. هل ذلك سبب كاف لانهيار أحلام ايران وشعورها بانّ رهاناتها على الولايات المتحدة لرفع العقوبات الدولية عنها لم تكن في محلّها؟

 

لم يعد هذا الملفّ النووي الايراني أولوية أميركية. لم يعد يأتي دونالد ترامب على ذكره بعدما استخدمه في خلال حملته الانتخابية كسلعة تصلح للمزايدة على إدارة أوباما الديموقراطية. كانت تلك، في الواقع، مزايدة على هيلاري كلينتون التي ليس معروفا هل افادها تأييد أوباما لها ام اضرّها.

 

ثمّة حاجة الى فهم التوتر الايراني من زاوية أوسع وليس الاكتفاء بالتغيير الذي حصل في الولايات المتحدة والخوف من صفقة أميركية ـ روسية في شأن سوريا التي تعتبرها ايران جسرا لتزويد “حزب الله” بالسلاح والمساعدات.

 

ما يشير الى ان ايران في وضع مأزوم والى انّ توترها واللغة الاستفزازية التي تلجأ اليها ليسا سوى مرآة لهذه الازمة، مدى تضايقها من تحرير قوات يمنية مدعومة من التحالف الدولي ميناء المخا. هذا الميناء يتحكّم بمضيق باب المندب من الجهة اليمنية. ولمن لا يعرف ما هو باب المندب، لا بدّ من التذكير بانّه الممر المائي الذي تعبره السفن المبحرة في اتجاه قناة السويس. كلّ التجارة العالمية التي تعبر قناة السويس، عليها اجتياز ممرّ باب المندب.

 

كان تحرير المخا من الحوثيين (انصار الله) المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح جزءا من استراتيجية متكاملة تصب في حرمان ايران من التحكّم بالممرات المائية التي تهمّ دول الخليج والمجتمع الدولي. هذا يعني انّ هناك وجودا عربيا ودوليا في كلّ المنطقة الممتدة من مضيق هرمز، الذي تطلّ ايران عليه مع سلطنة عُمان، الى قناة السويس، مرورا في طبيعة الحال بضفتي القرن الافريقي وجزر البحر الأحمر.

 

يبحث التاجر المفلس في دفاتره القديمة. لذلك، كان على ايران التهديد بالاستيلاء على جزر أخرى تابعة لدولة الامارات. لم تكتف ايران باحتلال أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى منذ العام 1971، أي منذ ايّام الشاه، بل تلجأ هذه الايّام الى التهديد باحتلال أراض عربية أخرى. تريد بكل بساطة التأكيد ان شيئا لم يتغيّر في سياستها التقليدية تجاه جيرانها العرب.

 

كانت لدى ايران أطماع في جزر عربية تابعة للامارات في ايّام الشاه وكانت لها أيضا مواقف عدائية من البحرين. لا تزال الامور على حالها. ما تغيّر في ايّامنا هذه انّ دول الخليج ليست في وارد الرضوخ للاملاءات الايرانية او الخوف من الخطاب الاستفزازي الذي يصبّ في خدمة مشروع توسّعي قائم اوّلا وأخيرا على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية.

 

لن تخيف ايران أحدا في منطقة الخليج العربي. كذلك، لن تنطلي على احد مناوراتها، من نوع زيارة رئيسها حسن روحاني الكويت وسلطنة عُمان وقوله كلاما جميلا في مسقط والكويت. ثمّة حاجة الى أفعال وليس الى مجرّد كلام ليل يمحوه النهار لا تدعم صدقيته ممارسات على ارض الواقع. يُفترض في الممارسات الايرانية ان تؤكد انّ هناك تغييرا حصل بالفعل في السلوك وان لا مجال بعد الآن لكلام استفزازي وتدخل في شؤون الدول الأخرى.

 

هناك دول عربية قررت بكل بساطة ان تكون لها استراتيجيتها التي تستهدف حماية مصالحها وليس الاعتداء على احد. لم تنشئ هذه الدول ميليشيات مذهبية تهدد الحكم في البحرين او تنفذ عمليات عسكرية بهدف احداث تطهير ذي طابع مذهبي، كما الحال في العراق… او تشارك في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. لم تتاجر هذه الدول بلبنان واللبنانيين وهي تعرف انّ ايّ حرب مع إسرائيل ستكون مكلفة لبلد مثل لبنان لا تزال فيه منازل مدمّرة منذ حرب صيف العام 2006.

 

ليس سرّا انّ كلّ ما تريده هذه الدول العربية هو تعزيز الاستقرار في المنطقة وترسيخه بعيدا عن الشعارات الفارغة التي لا تعني الكثير بمقدار ما انّها تعكس هروبا مستمرّا للنظام الايراني من ازمته الداخلية التي تتعمّق سنة بعد سنة ويوما بعد يوم.

 

لا ذنب للدول العربية، خصوصا دول الخليج اذا كان الرهان الايراني على الولايات المتحدة لم يؤد النتائج المطلوبة. ليست دول الخليج مكسر عصا لإيران. لم تعتقد دول الخليج في ايّ وقت انّ في الامكان الرهان على الولايات المتحدة. لم يكن لاي دولة من هذه الدول برنامج نووي اعتقدت ان في استطاعتها استخدامه للتغطية على مشروع توسّعي. كلّ ما تريده هذه الدول ان تكون ايران متصالحة مع نفسها وان تتصرّف تصرّف الدولة الطبيعية التي تعرف حجمها وحدود قدراتها الاقتصادية وان يدرك حكّامها انّ الخليج العربي ليس لقمة سائغة. ليس الخليج العربي لقمة يسهل ابتلاعها عن طريق التهديدات والمغامرات، مثل مغامرة الرهان على “انصار الله” لابتلاع اليمن وتحويله شوكة في خصر السعودية ودول الخليج عموما.

 

اذا كانت لدى ايران مشكلة، فهذه المشكلة تكمن في نظامها الذي لم يستطع تطوير نفسه. كلّ ما هناك انّه منذ اليوم الاوّل لقلب النظام الشاه، هناك ثورة تأكل ابناءها، ثورة في حال هروب دائم الى الخارج. انّها ثورة لا تدرك انّها فشلت في اليوم الذي قال فيه آية الله الخميني انّ بلاده تريد ان تصل الى مرحلة لا يعود فيها اقتصادها يعتمد على النفط.

 

في السنة 2017، يعتمد الاقتصاد الايراني على النفط اكثر مما كان عليه الوضع في عهد الشاه. لا فشل اكبر من هذا الفشل الذي يدعو الى امتلاك القدرة والشجاعة على القيام بعملية نقد للذات قبل استفزاز الجيران العرب البعيدين والقريبين والتهديد باحتلال ارضهم وجزرهم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *