نهاية محتملة للمشروع الشيعي في المنطقة أسعد البصري

 

قرار الرئيس ترامب الصادر في 27 يناير منع دخول المواطنين من سبع دول هي العراق وايران واليمن والسودان والصومال وسوريا وليبيا يتم تبريره بالحظر المؤقت الذي أصدره الرئيس السابق كارتر ضد الإيرانيين بعد أزمة الرهائن الأميركيين، حيث احتجز الخميني 60 دبلوماسيا أميركيا في طهران لمدة 444 يوما من 1979 وحتى بداية 1981 حيث تم إطلاق سراحهم بعد ساعات من قسم الرئيس الجديد رونالد ريغان.

الرئيس كارتر منع جميع الإيرانيين من دخول الولايات المتحدة ولكنه استثنى المعارضين للجمهورية الإسلامية والذين في حالة صحية حرجة. حينها تم تعميم قرار لجميع الطلاب الإيرانيين في الولايات المتحدة تقديم طلب هجرة خلال شهر والا يتم إعادتهم الى بلادهم. لم يستمر القرار لأكثر من سنة واحدة خلالها قدم 60 ألف ايراني طلب هجرة و 430 تم طردهم من البلاد و 5 الاف عادوا الى بلادهم بشكل طوعي.

كارتر أيضا ألغى جميع التأشيرات للإيرانيين ولكن لم يؤثر ذلك القرار على عدد كبير من الإيرانيين لأن معظمهم كان داخل الولايات المتحدة ولم يكونوا في حالة انتقالية. بروفيسور القانون كرمت روزفلت قال إن الفرق هو أن قرار كارتر كان ضد مواطني دولة معادية للولايات المتحدة، بينما قرار ترامب يستهدف المسلمين بغض النظر عن مواقف حكوماتهم. قرار ترامب يتناقض مع اتفاق جنيف للاجئين عام 1951 الذي يمنع اعادة اللاجئين الى أماكن يمكن أن يتعرضوا فيها للخطر، وهذا كان جوهر كلام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مع دونالد ترامب في محادثتها الهاتفية معه.

سيناتور بالكونغرس قال لا توجد عملية ارهابية واحدة قام بها لاجيء أو مهاجر في أميركا، الذين نفذوا أعمالا ارهابية في أميركا ليسوا لاجئين. وصرح السناتور مكين أخيرا بأنه لا يعتقد بأن قرار الرئيس الرئيس ترامب قد تم إعداده بشكل جيد، ويخشى أن يكون “جرحا” تستفيد منه المنظمات الإرهابية، وفي سؤال حول كلام الرئيس عن مصادرة النفط العراقي قال مكين “لا أفهم هذا الكلام، كيف يمكن فعل ذالك؟” قرارات البيت الأبيض لا تبدو معدة بشكل قانوني جيد. طبيب ايراني متخصص عنده إقامة بأميركا ذهب في سفرة عمل لعلاج طفل في إيطاليا وهو اليوم لا يستطيع العودة الى المستشفى الأميركية التي أرسلته.

شخصيا أنا ضد المبالغة. مثلا وزير دفاعنا الكندي سيخي هندي يلبس العمامة. دائما أقول لأصدقائي الكنديين هذه مبالغة وربما تكون لها ردود فعل غير سارة. بعض البيض في مقاطعة ألبرتا مثلا لا يحبون ذلك. فليكن وزير دفاعنا أبيض بلا مشاكل. الأميركان جلبوا رجلا أسود مهاجرا من أصول مسلمة جعلوا منه رئيسا بالبيت الأبيض لثمان سنوات، وكانت النتيجة عاصفة دونالد ترامب اليوم. حتى ايران تبالغ فقد وضعت 12 سياسيا مثل آية الله محمود الشاهرودي من أصول عراقية بمناصب عليا في السلطة. كثير من الايرانيين اليوم يقولون لي هذه حكومة عراقية. المبالغة واستفزاز هوية الشعوب أمر يأتي بنتائج عكسية.

دونالد ترامب جعل قناة فوكس نيوز اليمينية المتطرفة تدافع عن المسلمين. صقور العنصرية أمثال بل أو رايلي ودك تشيني يدافعون عن المسلمين، نتينياهو شخصيا صار يدافع عن المسلمين. هذا أشبه بظهور شخص طائفي إلى درجة تجعل ياسر الحبيب نفسه يدافع عن السنة، أو قناة وصال تدافع عن الشيعة.

الشعب الأميركي نفسه يشعر بقلق، فبعد 24 ساعة من احراق المركز الإسلامي في تكساس على يد مجهولين، جمع أهالي تكساس المسيحيون أكثر من نصف مليون دولار بيوم واحد في حملة تبرعات شملت حتى الكنائس لبناء مركز اسلامي أكبر من الذي احترق. هذا شعب طيب ولا يقبل بالظلم.

نحن أمام رئيس يتحدث عن الحرب في الفلبين نهاية القرن التاسع عشر حيث طرد الأميركان الإسبان. يقول حدثت أعمال ارهابية هناك فقبض الضابط الأميركي على خمسين مسلم وغمس الرصاص بدم الخنزير ثم أمر بإطلاق النار على 49 منهم. بعدها أمر الناجي الوحيد بالعودة الى قومه واخبارهم ما حدث والنتيجة لخمس وعشرين سنة لم تحدث اعمال ارهابية. يقول الرئيس هكذا يجب أن نتصرف بحزم.

المضحك أن الايرانيين كانوا متحمسين لترامب، وصوت له مليون أميركي من أصل إيراني. كانوا يظنون بأنه سيزعج السنة والعرب لكن أول شيء فعله وضع حظرا على الأيرانيين، وايران ردت بالمثل يعني المهاجر الايراني لم يعد بامكانه زيارة بلاده لأنه أميركي، ولم يعد أهله يستطيعون زيارته لأنهم ايرانيون.

ويقول ترامب نحتاج إلى فحص دقيق لمواطني بعض الدول. هناك مليون مقيم إيراني وطالب لجوء يشعرون بأن حلمهم بالجنسية الأميركية قد تبخر. يقول ترامب نحن لا نعلم الأفكار المرعبة التي تدور في عقول هؤلاء الناس. منع السوريين بشكل أبدي من دخول أميركا، شيء مضحك أن يجمع السوريين والإيرانيين مصابٌ واحد.

اليمين المتطرف بأوربا وجد في الرئيس ترامب مصدر الهام، مظاهرات مؤيدة لترامب في اليونان مثلا، وربما يصعد اليمين في هولندا وفرنسا وألمانيا اذا استمر الحال على هذا النحو. قد يشهد العالم فوضى كبيرة حقا إن ما يجري خطير.

الكاتب المعروف روبرت فيسك التقى عام 2004 في العراق ضابطا بالمخابرات الأميركية وقال له حسنا قمتم باحتلال العراق ما هي خطتكم؟ الرومان عندما كانوا يحتلون أرضا يضمونها الى الامبراطورية ويصبح سكان البلاد مواطنين رومانيين. هل ستعطون العراقيين الجنسية والجواز الأميركي؟ يجب أن تمنحوهم شيئا مقابل احتلال بلادهم. بعد كل ذلك الحديث الذي وجهه الرئيس جورج بوش ودفاعه عن العراقيين ضد الدكتاتور، الآن ترامب يضع العراقيين ضمن القائمة السوداء لا يريدهم في بلاده.

وقف ترامب مع تجارة السلاح بالولايات المتحدة، وبسبب السلاح يُقتل في أميركا 25 أميركيا يوميا، بينما 750 الف مهاجر دخلوا أميركا في السنوات الماضية لم يرتكب أي واحد منهم عملية ارهابية. شيعة العراق مثلا قتل داعش والقاعدة منهم عشرات الآلاف وأكثر الناس تعاونا مع الولايات المتحدة لمواجهة داعش. كيف تكون المكافأة منعهم من دخول الولايات المتحدة بحجة الإرهاب. بينما دولة تطوع منها 7 الاف مجاهد التحق بداعش لقتال شيعة العراق بحسب مصادر مخابراتية أميركية ليست ضمن القائمة.

أثار انتباهي أن حامل الجنسية الأميركية إذا كانت عنده جنسية عراقية أيضا ربما يزعجونه إذا عاد من العراق بالمطار. وهناك تساؤلات من كندا وبريطانيا حول الموقف من حامل جنسية هذه الدول إذا كان من أصول عراقية أو بقية الدول المحظورة. هذه عقوبة قاسية وخطوة معادية.

الرئيس ترامب يأمر بوضع خطة خلال ثلاثين يوما لمحو داعش من الوجود. على العراقيين تحرير الموصل سريعا وانقاذ الناس. من الممكن الرئيس ترامب يمحو الموصل من الوجود. وربما مدينة الرقة السورية ستختفي من على وجه الأرض، ترامب يحتاج أن يضرب مثلا تاريخيا كما فعل روزفلت عندما ضرب هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية التي لم تركع اليابان فقط، بل أصابت العالم كله بالرعب. لا تنس أن الجيش الإمبراطوري الياباني كان أفظع من داعش بالوحشية فقد اختطف 400 ألف سيدة كورية وصينية لمتعة الجيش الياباني الجنسية كما فعل داعش بالإيزيديات.

لم أتخيل بأنني سأكون مضطرا لكتابة مشورة لصالح الحكومة العراقية رغم أنني معارض. إن تحركات الرئيس ترامب لها تفسير واحد وهو ضرب إيران بعد كنس الإرهابيين. فكما كان قرار كارتر بمنع دخول الإيرانيين يعتبر قرارا وقائيا قبل تشجيع العراق ودعمه للحرب ضد إيران عام 1979، يعتبر قرار ترامب قرارا تمهيديا للحرب على إيران.

لا نعرف كيف ستدير أميركا هذه الحرب؟ هل بالمزيد من العقوبات؟ أم بتكليف دول إقليمية أم بتحالف تقوده الولايات المتحدة؟ كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو الموجهة للشعب الإيراني يمكن اعتبارها بيان حرب. الرجل ذكر بأن جوهر لقائه القادم في واشنطن بالرئيس ترامب هو مواجهة التحدي الإيراني.

على الحكومة العراقية تفعيل تحالفاتها مع الولايات المتحدة واللعب بحذر، لأن منع العراق من دخول الولايات المتحدة رغم أن الحكومة حليفة لواشنطن وشريك عسكري بالحرب على الإرهاب يعني شيئا واحدا، وهو أنه قرار وقائي من ردة فعل الشيعة تجاه ضرب الجمهورية الإسلامية.

تصريحات السيد مقتدى الصدر الأخيرة ضد إسرائيل وأميركا تحملها الإدارة الأميركية على محمل الجد، وعلى المقربين منه تنبيهه إلى التخفيف من لهجته، فالسر هو التحكم بالأعصاب والغرائز. أنتم ترون الدول السنية تتفرج على معاناة سوريا والعراق دون حراك، الآن عليكم التفرج على ضرب إيران دون حراك والا فمصير شيعة العراق إلى المجهول خصوصا وأن الثارات تحيط بكم من كل جانب.

حرصاً على العراق ووحدته على الحكومة التحرك بشكل مكثف وإخراج العراق من وحدة المصير مع إيران، لا بأس بتفعيل التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة، خصوصا وأن ضباط الفرقة الذهبية قد تدربوا على يد الجيش الأميركي ولهم علاقات وثيقة مع جنرالات أميركان، وأيضاً لا تنسوا اليد المفتوحة للعرب التي يمكن استثمارها لإخراج شيعة العراق من مصير إيران، في حال حدثت مواجهة مع صقور الأمن القومي الأميركي الذين جمعهم ترامب بشكل مخيف.

على العراق ولو لمرة واحدة في التاريخ أن لا يكون ضحية ولا يتصرف بحماقة.
.متابعة عراقيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *