لا تترددوا في وصف إسرائيل بالكيان الصهيوني  : نداء الى المسؤولين والإعلاميين والمثقفين العرب

عبد الواحد الجصاني

          استوقفتني مقاطع اعتصام يهود نيويورك يوم 28 أكتوبر 2023 في أكبر محطة قطار فيها  وهم يهتفون بسقوط الصهيونية ويطالبون بوقف حرب الإبادة ضد فلسطينيي غزة.

مدينة نيويورك أكبر تجمّع لليهود خارج الكيان الصهيوني، وعددهم مليوني نسمة، وعرف عنهم انهم متطرفون ضد العرب، من مائير كاهانا رئيس حزب “شاس” الذي يدعو الى قتل أو تهجير الفلسطينيين الى باروخ غولدشتاين الذي قتل تسعة وعشرين مصليا وهم ساجدون في الحرم الابراهيمي في الخليل عام 1994، واليوم يخرج يهود نيويورك وبهذه الكثافة للتنديد بالكيان الصهيوني ودعم الفلسطينيين !  كيف نقرأ هذا التغيير وما هي الدروس المستفادة منه ؟ 

        لقد كان فرز الخنادق من بين أكبر انجازات طوفان الأقصى، فاصبح لدينا خندق البربرية والغطرسة والعنصرية الصهيونية  المدعومة من حكام الغرب الماسونيون، ثم خندق الحق الذي يضمّ  كل شعوب الأرض بضمنهم اليهود المنصفون الذين  يتمسكون بالقيم الإنسانية والذين رأيناهم في تظاهرات نيويورك ولندن وباريس ومدن كثيرة أخرى، كما رأينا  المتنورين من مثقفيهم يعارضون  الصهيونية بقوة ، ومنهم على سبيل المثال المفكر اليهودي العراقي “آفي شليم” الذي نشر كتاباً في حزيران الماضي بعنوان “ثلاثة عوالم، مذكرات عربي يهودي” وثق فيه حبه للعراق ولعروبته وللتعددية الثقافية والتعايش الذي ساد في الدول الإسلامية قبل نشأة دولة إسرائيل، وعارض الفرضية الصهيونية التي تقول بأن اليهودي لا يمكن أن يكون عربيًّا. وقال (أننا جُنِّدنا قسرًا في المشروع الصهيوني).

               إن وقوف اليهود المنصفين ضد الصهيونية، التي هي تنظيم سياسي علماني وليس ديني، يفرض علينا كشف  حقيقة  أن الصهيونية لا تمثل يهود العالم، فليس كل يهودي صهيوني ولا كل صهيوني يهودي، وإن إسرائيل كيان غاصب أنشأه الصهاينة وهو من يديره ولا علاقة له بالديانة اليهودية وبرسالة موسى عليه السلام. وأن نؤكد هذه الحقيقة في خطابنا الرسمي وفي اعلامنا وفي مناهجنا الدراسية.

                إن نزع صفة  تمثيل اليهود عن هذا الكيان الصهيوني يقوض أيديولوجية “الدولة اليهودية”، ويقوض قانون الدولة القومية اليهودية لعام  2018” الذي يزعم ”ان ارض اسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي” ، ويقوض شعار “معاداة السامية” الذي يرفعونه بوجه كل من ينتقد الكيان الصهيوني ، كما يشجع المزيد من  اليهود المنصفين على رفض هذ الكيان وممارساته.

          في كتابه (مكان تحت الشمس) الصفحة (58)  لخص نتنياهو خطورة الفصل بين الصهيونية واليهودية بقوله  (إن نظرية ما بعد الصهيونية هذه، تعتبر أكثر خطورة على مستقبلنا من هجمات خارجية، حيث إن تنازل دولة إسرائيل عن المبادئ الصهيونية، يعتبر تنازلا عن مصدر حياتها، وعندئذ تبدأ بالذبول). وفي آذار 2019، أكّد  نتنياهو من جديد : “إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها”، بل هي “الدولة القومية للشعب اليهودي، وللشعب اليهودي وحده”.

        إن وصفنا إسرائيل ب “الكيان الصهيوني”  أو  “الدولة الصهيونية” أو “النظام الصهيوني”  أو أي ربط بين إسرائيل بالصهيونية هو تعبير عن حقيقة لا جدال حولها،  فالصهاينة هم من يحكمون إسرائيل منذ تأسيسها ، وارفق في نهاية المقال الصفحة الأولى من جريدة “نيويورك تايمز” يوم تأسيس هذا الكيان في 15/5/1948 والتي يقول عنوانها الرئيسي بتفاخر  “الصهاينة يعلنون قيام دولة إسرائيل الجديدة “.

         إن وصف هذا الكيان بالصهيوني يذكّر المجتمع الدولي بما  أقرته دول ومنظمات دولية من أن الصهيونية شكل من اشكال العنصرية ، فالقمة الافريقية في عام 1975 قالت (النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامان العنصريان الحاكمان في زمبابوي وجنوب أفريقيا ترجع إلى اصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً مشتركاً، ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطا عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته).

           ومؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز أدان في نفس العام  الصهيونية  “بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين ودعا الى مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية “. ثم جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، الذي اعتمد في 10/11/ 1975 الذي نص على  “إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.” وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدلوجية الصهيونية التي تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين. .

         وإذا كان قرار الجمعية العامة قد الغي بعد أن وضع الكيان الصهيوني إلغاءه شرطا لمشاركته في مؤتمر مدريد للسلام وألغي بموجب القرار 46/86 يوم 16/12/ 199،  وكان اقصر قرار في تاريخ الجمعية العامة إذ تضمن سطرا واحدا يقول ” أن الجمعية العامة ألغت قرارها 3379″، إلا أن هذا الإلغاء لم يغير حقيقة الطبيعة العنصرية للصهيونية وممارساتها في الأراضي العربية المحتلة. ولا يمنع من أن نعود الى الجمعية العامة لإلغاء الإلغاء . فمنظمة (مرقاب حقوق الانسان –Human Rights Watch) ومنظمة العفو الدولية (Amnesty International)، وهما منظمتان أمريكيتان  وقيادتهما من اليهود أصدرتا في عام 2021 تقريرين  مدعمين بالوثائق والادلة القانونية والشهادات والصور أثبتتا فيه إن السلطات الإسرائيلية ترتكب  ضد الفلسطينيين جريمتي بالفصل العنصري والاضطهاد  وهما من الجرائمضد الإنسانية.كما  دعت منظمة مرقاب حقوق الانسان الدول إلى إنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق عبر “الجمعية العامة للأمم المتحدة” للتحقيق في التمييز والقمع المنهجيين على أساس الهوية الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

     ومعلوم أن ممثلي الكيان الصهيوني في المنظمات الدولية اعتادوا الاحتجاج على وصف كيانهم بالصهيوني، على طريقة  “يكاد المريب يقول خذوني” ، وكانت الدول العربية تتجنب استثارتهم ولا تشير الى الصهيونية، لكن بعد طوفان الأقصى  أصبح مطلوباً التذكير بالنظرية السياسية التي تحكم  إسرائيل ، وهي الصهيونية.

لقد جاء طوفان الأقصى بمتغيرات هائلة في العلاقات الدولية، وعزز قاعدة أن الشعوب هي التي تحسم  الصراعات وليست الجيوش،  فقبلها جيش القطب الأوحد في العالم هزمته مقاومة عراقية لا تملك غير البندقية والعبوة الناسفة البدائية.، وكتائب القسام المحاصرة الحقت بالصهاينة  هزيمة لم يشهدها كيانهم منذ تأسيسه.

المعركة الفكرية ضد الصهيونية لا تقل مضاءً عن البندقية ، كما قال الشهيد صدام حسين “للقلم والبندقية فوهة واحدة” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *