مع قرب الذكرى التاسعة.. متى تستيقظ سنجار من الكابوس؟

عراقيون/سنجار
مع قرب مرور 9 سنوات على طرد تنظيم “داعش” من قضاء سنجار الواقع غربيّ محافظة نينوى شماليّ العراق، ما يزال أكثر من 300 ألف من سكان القضاء يعيشون في مخيمات النزوح.

وتعرضت سنجار، التي يغلب الأيزيديون على أهلها، لهجمة شرسة من التنظيم الإرهابي عام 2014، وعانى سكانها من عمليات قتل ونهب وسبي، وما زال بعضهم يبحث عن أماكن مئات الفتيات والنساء اللاتي أخذهن مقاتلو التنظيم سبايا.

وبحسب الأمم المتحدة، فإنّ حوالي 70 في المائة من الايزيديين ما زالوا خارج مدينتهم، بسبب عدم استقرار المدينة أمنياً وسياسياً وتأخر إعادة الإعمار.

وبالإضافة إلى الخسائر البشرية، دمر التنظيم حوالي 80 في المائة من البنى التحتية، و70 في المائة من منازل المدنيين في سنجار والمناطق المحيطة، ولا يزال أكثر من 2700 شخص في عداد المفقودين، بينهم أشخاص اعتقلهم داعش، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

ورغم تحرير المدينة وغيرها من داعش عام 2017، فإن ملف عودة النازحين ظل عالقاً في شبكة صراعات محلية وإقليمية.

دمار بنسبة 85 بالمائة

وفي هذا السياق، يقول النائب الايزيدي محما خليل، إن “الوضع في سنجار مأساوي، إذ لا يزال بحدود 300 ألف نازح من أهالي القضاء يعيشون في المخيمات، رغم أن في 3 آب المقبل سيتم طي الصفحة التاسعة للإبادة والنزوح”.

وعن الأسباب التي تحول دون عودتهم يوضح خليل لوكالة شفق نيوز، أن “85 بالمائة من سنجار لا تزال مدمرة، فضلاً عن وجود فصائل غير عراقية فيها، وانعدام الخدمات والاعمار وفرض هيبة القانون والتعايش السلمي، وكذلك عدم شمول نازحي سنجار بمنحة المليون ونصف المليون دينار”.

ويؤكد، أن “كل هذه المعوّقات هي أمام أنظار الحكومة العراقية، إلا أنها ليست لديها رؤية حقيقية لعودة أهالي سنجار في الوقت الراهن، وهذا يعد وصمة عار في جبين الحكومات العراقية التي لم يزور رئيس منها القضاء حتى يشاهدوا بأعينهم ما يحدث فيه”.

ولا يخفي النائب الايزيدي “وجود أسباب خارجية وداخلية أدت بالإضافة إلى ضعف الحكومة وعدم جديتها إلى وصول سنجار إلى هذا الوضع المأساوي”.

صراعات إقليمية ومحلية  

يتفق المحلل السياسي سعد الوزان مع ما ذهب إليه محما خليل حول وجود صراعات إقليمية ومحلية في سنجار، ويفصّل الوزان الأولى بالقول إنها “تتمثل في حزب العمال الكردستاني الذي تهاجمه تركيا بين فترة وأخرى، ما يخلق توتراً أمنياً وحتى مجتمعياً بالنسبة لمؤدي تركيا أو للدول الأخرى”. 

ويبيّن الوزان لوكالة انباء عراقيون، أن “جزءاً من العمال الكردستاني مسجلون بهيئة الحشد الشعبي لواء 80، وهذا بدوره يخلق توتراً بين الحكومة العراقية وأطراف دولية”. 

وينشط المئات من مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض داخل الأراضي العراقية الحدودية مع تركيا، حيث تتهمهم أنقرة باتخاذ تلك المناطق منطلقاً لتنفيذ اعتداءات مسلحة داخل تركيا.

وبين فترة وأخرى تستهدف الطائرات التركية المقاتلة والمسيرة مقرات لحزب العمال الكردستاني ووحدات مقاومة سنجار “يبشه” في قضاء سنجار.

أما الصراع الداخلي، فيوضح المحلل السياسي أنه “بين حكومتي الإقليم والاتحادية، وهذا الصراع يخلق توتراً أمنياً واقتصادياً ومجتمعياً، وبالتالي يؤثر على تقديم الخدمات للمواطن وعلى الحالة الأمنية الموجودة، في وقت ليست هناك قدرة للحكومتين على حلحلة هذه الصراعات، لذلك تغض البصر عنها في الوقت الحالي”.

تحديات اجتماعية

وإلى جانب التحديات الأمنية يواجه قضاء سنجار تحديات اجتماعية، فيما تحاول منظمات المجتمع المدني بناء بيئة أكثر أماناً واستقراراً للجميع، وفق الناشط المدني، جمال دخيل.

وكان قضاء سنجار شهد في نيسان الماضي توتراً عقب خروج مئات من الأيزيديين في تظاهرة غاضبة رافقها اعتداء على مسجد في المدينة احتجاجاً على عودة أسر عربية نازحة “متهمة بالتعاون مع تنظيم داعش” إبان أحداث اجتياحه للقضاء.

ويؤكد الناشط جمال لوكالة انباء عراقيون، أن “تحقيق الاستقرار في سنجار يتطلب التعاون الوثيق بين المجتمع المحلي والسلطات الرسمية لمكافحة التهديدات الأمنية وتطبيق القانون، كما يجب تعزيز التفاهم والحوار بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك حكومتي الإقليم والاتحادية، للعمل على حل النزاعات القائمة”.

من جهتها، تشير ناشطة من سنجار رفضت الكشف عن اسمها، إلى أن “الصراعات الأمنية في سنجار تؤثر على اقتصاد القضاء، إذ أدت إلى خسارة مشاريع ضخمة كانت منظمات دولية ومحلية تعتزم إنشائها”، مضيفة لوكالة شفق نيوز، “كما أن هذه الصراعات تعد أحد الأسباب الرئيسية في عدم رجوع النازحين”.

وفي أحدث إحصائية لعودة النازحين، أعلنت وزيرة الهجرة والمهجرين إيڨان فائق جابرو، في 7 تموز الجاري، عن عودة 189 نازحاً أيزيدياً من مخيمات النزوح في محافظة دهوك إلى مناطق سكناهم الأصلية في قضاء سنجار.

ويوجد نحو 300 ألف إيزيدي في مخيمات النازحين، معظمهم في إقليم كردستان فيما لم يعد سوى أكثر من 20 ألف أُسرة إلى قضاء سنجار ذات الغالبية من اتباع هذه الطائفة وذلك بعد تحريرها من قبضة تنظيم داعش.

ويحمل المسؤولون في حكومة إقليم كردستان، المجتمع الدولي، والحكومة العراقية مسؤولية بقاء الإيزيديين في مخيمات النزوح لعدم تنفيذ اتفاقية سنجار المبرمة بين اربيل وبغداد.

يذكر أن بغداد وأربيل كانتا قد توصلتا في 9 تشرين الأول 2020، إلى اتفاق لتطبيع الأوضاع في سنجار ينص على إدارة القضاء من النواحي الإدارية والأمنية والخدمية بشكل مشترك الإ أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ بشكل فعلي لغاية الآن لأسباب سياسية، وفقا لمسؤولين في إقليم كردستان.

وكانت السفيرة الاميركية في بغداد ألينا رومانوسكي قالت في مقابلة خاصة مع وكالة انباء عراقيون، ان واشنطن تدعم “التنفيذ الكامل لاتفاق سنجار، حيث ان الولايات المتحدة تساهم بالدعم المالي لتحقيق الاستقرار في سنجار وتمكين النازحين من العودة طواعية إلى مناطقهم الأصلية، وهو دعم يشمل تجديد المساكن والبنية التحتية للمياه والشوارع وتجهيز المدارس والمستشفيات وتوفير المعدات كما يشمل الحصول على التمويل لمساعدة رواد الأعمال المحليين على إعادة بناء أعمالهم وتزويد المجتمعات بالموارد لدعم العائدين ومساعدتهم ليتسنى لهم إعالة أنفسهم وأسرهم.

لكن السفيرة الاميركية رغم قولها إن الولايات المتحدة ستواصل دعم تنفيذ اتفاق سنجار، إلا انه قالت ان “للحكومة العراقية الدور الحاسم في تحقيق الاتفاق للنتائج المرجوة منه”، مضيفة بانه بامكان كل من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان أداء أدوار بناءة من خلال تسهيل عودة النازحين بتعيين قائمقام قضاء سنجار وإيفاد قوة أمنية قوامها 2500 عنصر من أبناء سنجار وتقليل وجود الميليشيات في سنجار، مؤكدة ان “وجود مثل هذه الجماعات يعوّق الاستقرار المطلوب لعودة النازحين”.

وتعتبر رومانوسكي انه يجب كأولوية إشراك المجتمعات الايزيدية في هذه العملية من قبل بغداد وأربيل، حيث يمثل الأيزيديون غالبية سكان سنجار وأكبر مجموعة بالمخيمات الإنسانية في العراق.

يذكر أنه في 18 أيار الماضي، أكدت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، جينين بلاسخارت، في إحاطتها إلى مجلس الأمن أن أي تقدّم لم يتحقق في مسار تنفيذ الاتفاق الذي عقد بين أربيل وبغداد بشأن سنجار، وأنه آن الأوان لتنفيذ هذا الاتفاق.

وكان الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، بعث، في الشهر نفسه، رسالة طمأنة إلى النازحين، قائلا إن الوضع الآن في العراق “أفضل بكثير، ويشهد تطورات إيجابية”، وهذا سيساعد في إنهاء ملف نازحي سنجار.

وفي مطلع العام الحالي، اعترف البرلمان الألماني (البوندستاغ) بالجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق الأيزيديين في العراق عام 2014، كإبادة جماعية، موصياً بسلسلة من إجراءات الدعم للأيزيديين.

ويقدر عدد الأيزيديين في العالم بنحو مليون نسمة، ويزيد عدد الذين يعيشون في ألمانيا على 200 ألف، بحسب المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين (BAMF)، إذ يشكلون أكبر مجموعة للأيزيديين في العالم بعد العراق، وبنسبة لا تقل عن 20 في المائة من بين المجموع العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *