علي المدن يكتب| ليلة ظهور المهدي

عراقيون| مقالات رأي


هذه إحدى الطرائف الحقيقية. في عام 1992، وهي السنة الأولى لدراستي في حوزة قم الدينية، وبعد عدة أشهر من السكن في الشوارع والحدائق وتحت الجسور، استأجر لنا الشيخ محمد مهدي الآصفي بيتا في منطقة (يخچال قاضي) بالقرب من بيت اية الله الخميني. كان البيت كبيرا وعلى الطراز القديم، فيه عدة غرفة، وأسفلها سراديب كبيرة، مطلة على فناء واسع يتوسطه حوض ماء تحيطه الأشجار، وقد رصفت أرضيته بالحجر المفخور. كنا أكثر من أربعين طالبا، وفي كل غرفة يسكن مجموعة من الطلاب (في غرفتنا مثلا ستة طلاب). لم نكن نعرف حينها شيئا عن الحياة الإيرانية وثقافة الإيرانيين وتقاليدهم الاجتماعية ومناسباتهم السياسية وغيرها.

في ليلة مظلمة وممطرة، وعند الساعة التاسعة أو بعدها بقليل، اهتزت اركان البيت بسماع أصوات تكبير (الله أكبر) تأتي من كل اتجاه!!! كانت لحظات صادمة ومرعبة، جميع من في البيت قفز من مكانه مذعورا، بعضنا نزل إلى ساحة البيت، والبعض الآخر واقف عند باب أو شباك غرفته، والجميع يسأل عن مصدر هذه الأصوات وسبيها. بعضنا وصل به الحماس للخروج إلى الزقاق الخارجي يبحث عن مصدر الصوت ويحاول سؤال المارة عما يجري، وأنا شخصيا خرجت أيضا إلى الخارج. وكان أكثرنا حماسا هو أبو فاطمة الحلفي، إذ خرج مهرولا حافي القدمين في وسط المطر والبرد ثم عاد وهو يصرخ (امعودين!!! بس لا طلع المهدي !!!! أكيدًا هذا المهدي طلع مو غيره!!!! المهدي طلع. المهدي طلع!!!) كان أبو فاطمة بدشداشته القصيرة يتقافز فرحاً كالأبله .. وجميع من في البيت، أو هكذا استنتج، صدق بالاحتمال الذي أثاره أبو فاطمة. البعض منا غمرته للحظات مشاعر السرور، وكان ذلك واضحا على الوجوه. إلى أن صادفنا أحد المارة الإيرانيين وقال لنا بعد أن سألناه عما يجري:
إنها ليلة 22 بهمن !!! يوم انتصار الثورة الاسلامية … وهذا تقليد يعود الى زمن الثورة حين انتصرت حيث يخرج الناس الى سطوح منازلهم ويكبّرون .. وهو – في وقتها – لون من الاعتراض على النظام !!!
عدنا إلى غرفنا ونحن نضحك بعد أن كاد أبو فاطمة بدشداشته القصيرة يقنعنا بفكرة ظهور المهدي!!!

في النهاية أنت لا تصدق إلا ما كنت مهيئا ذهنيا للقبول به، ولا فائدة من نقاش أي فكرة يتقبلها المناخ الثقافي الحاكم على العقول. إعادة الإنسان إلى الحياة الواقعية من أكثر الأمور الشاقة التي واجهها الفلاسفة والمفكرون عبر التاريخ. وكلما زاد الواقع بؤسا ازداد جموح الناس نحو المخيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *