المالكي.. يكذب ثم يكذب حتى يصدق نفسه  بقلم: هارون محمد  

 

المالكي ينسى أو يتناسى أنه كان يؤدي ‘سلام مربع’ لسيرجنت أميركي، لأن الأميركان أصحاب فضل عليه لا يقدر على نكرانه عندما جاءوا به وهو المغمور من آخر الصفوف وعينوه رئيسا للحكومة.

 

من حكايات التراث الشعبي العراقي، أن الصبية في بغداد أواخر العهد العثماني كانوا يشاكسون رجلا يدعى أحميد (تصغير حميد) يبدو من مظهره أنه نصف مجنون ويحدث نفسه بكلام غير مفهوم وهو يذرع أحياء الكرخ جيئة وذهابا. وذات يوم اشتدت هجمة الصغار عليه يلاحقونه بالحجارة ولم يجد مهربا غير أن يخاطبهم: يا أولادي لماذا تضيعون وقتكم في الركض ورائي وإيذائي، ألا تعلمون أن الوالي يحتفل الآن بختان أولاده وقد أقام بالمناسبة سفرة طعام تمتد من القشلة، مقر الولاية، إلى شريعة الشط (دجلة)؟ قال ذلك تخلصا منهم وقد أعياه التعب، فانصرفوا عنه وعبروا الجسر الخشبي إلى جانب الرصافة، وجلس يضحك على كذبته وهو في غاية الانشراح.

 

ومر وقت قصير وأحميد يلتقط أنفاسه، ولكنه فوجئ بجماعات تلو جماعات تعبر الجسر إلى عزيمة الوالي، أي إلى مأدبة طعامه، وبعد ذلك نظر إلى حوله فلم يجد أحدا غيره فقال لنفسه “يا أحميد معقولة تفوتك عزيمة الباشا”، ونهض على عجل ووضع طرف ثوبه في فمه وانطلق كالسهم نحو الجسر يعبره إلى صوب القشلة، ومن يومها سرت مقولة صارت مثلا مفاده “قال كذبته.. وصدقها هو نفسه”.

 

كذبة أحميد التي حدثت قبل قرن ونصف قرن، يعيدها ويكررها هذه الأيام نوري المالكي وهو يتحدث عن إعدام الرئيس الراحل صدام حسين ويشير إلى أنه هو لا غيره من قرر إعدامه في أول أيام عيد الأضحى، ويضيف في سذاجة مفرطة، أن الجانب الأميركي طلب تأجيل الإعدام 15 يوما، فقلت لهم دون أن يذكر من هم، يجب أن يعدم اليوم، فقالوا دون أن يحدد اسما واحدا منهم، أمهلنا إلى ما بعد العيد فأجبت، والكلام للمالكي، أبدا لا بد أن يعدم قبل أن تطلع شمس نهار العيد.

 

كذبة المالكي التي صدقها على طريقة أحميد، نفاها اثنان من مساعديه، أولهما مستشار الأمن الوطني وقتئذ موفق الربيعي، والنائب السابق عزة الشابندر وكان كبير مستشاريه ومبعوثه للمهمات الخاصة، في تصريحات لهما بهذا الشأن لا نريد الاستغراق فيها ويمكن متابعتها على موقع يوتيوب.

 

لماذا لم يذكر المالكي بطولته في إعدام صدام إلا بعد مرور عشر سنوات كان فيها صامتا صمت القبور ولم يشر مجرد إشارة إلى تلك البطولة الزائفة

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يذكر المالكي بطولته في إعدام صدام إلا بعد مرور عشر سنوات كان فيها صامتا صمت القبور ولم يشر مجرد إشارة إلى تلك البطولة الزائفة؟ ولم يرد على المئات من المقالات والدراسات في كبريات الصحف الأميركية كتبها مسؤولون سابقون وجنرالات عملوا في العراق عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الرئيس جورج دبليو بوش بإعدام صدام في صبيحة يوم يحج فيه ملايين المسلمين إلى بيت الله الحرام في مكة، دون أن يحترم مشاعر العالم الإسلامي وقدسية عيد الأضحى، حتى أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب قال في تصريح شهير، إن إعدام صدام كان خطأ أميركيا تدفع ثمنه الآن الولايات المتحدة وأوروبا والعالم، لأنه لو استمر في السلطة مع دكتاتوريته لما ظهر تنظيم داعش الإرهابي.

 

ادعاءات المالكي في إقدامه على إعدام الرئيس صدام، لا تحظى بصدقية ولا بتوثيق، وكل كلامه يستند إلى المجهول سواء بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين أو نظرائهم العراقيين، ولاحظوا حديثه عندما يقول: إن الكثير من الإخوان من خلفي كانوا في خوف وهلع شديدين من عملية الإعدام، فقلت لبعضهم هامسا: إذا لم نعدمه اليوم في الليل فسيخرجونه من العراق.

 

ومن حقنا أن نسأله إن كان صادقا من هم هؤلاء “الكثير” من إخوانه الخائفين الهلعين، لتعزيز كلامه على الأقل؟ والغريب العجيب أنه يستمر في كذبته المفضوحة، ويقول بلا خجل إن حدسه كان صائبا حيث تم الكشف مؤخرا عن اتفاق بين قطر ومجلس الأمن الدولي على أن يصدر المجلس قرارا بالطعن في قانونية المحكمة الجنائية العليا التي حاكمت صدام، ثم يتم نقله إلى خارج العراق حتى يستعدوا لجولات جديدة باعتبار أنه رمز البعث، ونسأل مرة أخرى متى تم الكشف عن اتفاق قطر ومجلس الأمن بشأن نقل صدام إلى الخارج؟ إنها إضافة جديدة لمسلسل أكاذيب هذا الكائن الخرافي الذي لا يستطيع العيش في بيئة صافية وحياة طبيعية، إنه معجون بالكذب ومسكون به أيضا، وصدقت الجماهير العراقية وهي ترفع شعار “كذاب نوري المالكي كذاب”، الذي تحول إلى أهزوجة شعبية تتردد أصداؤها في كل مكان وخاصة في أيام التظاهرات.

 

أما ذروة أكاذيب المالكي قوله: إنه أبلغ الأميركان الذين كان صدام محتجزا في سجنهم وليس في سجن عراقي، إذا لم تسلموه إلينا الليلة وكانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل سأقود قوة عسكرية وأذهب إلى السجن وأخرجه منه بالقوة حتى إذا تطلب الأمر الصدام مع الأميركان، فتراجعوا عن موقفهم وسلموه.

 

المالكي ينسى أو يتناسى أنه كان يؤدي “سلام مربع” لسيرجنت أميركي، لأن الأميركان أصحاب فضل عليه لا يقدر على نكرانه عندما جاءوا به وهو المغمور من آخر الصفوف وعينوه رئيسا للحكومة، وتصريحات زلماي خليل زاد السفير الأميركي في بغداد عام 2006 لمجلة نيويوركر عقب سقوط الموصل تشكل خزيا له وعارا عليه لأن وكالة السي اي ايه هي التي رشحته كما قال زلماي.

 

سفرة الطعام لا تزال تغري أحميد الجديد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *