ضمانات بوتين وقرارات خامنئي بقلم: ثائر الزعزوع
هل يمكن أن تعيد موسكو ترتيب أوراقها وأن تمارس سلطة لا تمتلكها على الميليشيات الإيرانية لتنقذ مصلحتها أولاً؟ أم أن اتفاق وقف إطلاق النار ستتطاير أوراقه كما حدث في مرات سابقة.
منذ اللحظات الأولى لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منتصف ليلة الجمعة 30 ديسمبر 2016 والذي لقي ترحيباً من السوريين على اختلاف انتماءاتهم، حتى الخاضعون لسلطة نظام دمشق، بدا أن ذلك الاتفاق هو اتفاق من طرف واحد، وقد ظهرت أسماء الفصائل المعارضة التي قبلت بالتوقيع على الاتفاق، وأنابت ممثلا للتفاوض باسمها، في مفاوضات لم تكن شاقة على الإطلاق نظرا لرغبة فصائل الجيش الحر في تخفيف شبح القتل المخيم على السوريين المعارضين لسلطة الأسد، فيما غاب الطرف الآخر المعني بالأمر واكتفى بضمانة روسية تركية، بدا أيضا أنها قد تكون كافية نظرا لما تتمتع به موسكو من سلطة على نظام دمشق وحلفائه، على الأقل هذا ما كان يظهر في الصورة.
ورغم البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع السورية وأعلنت فيه التزامها بوقف إطلاق النار، إلا أن ثمة أطرافا ظلت متوارية وغير ظاهرة في المشهد، وهي أطراف متعددة لا يستهان بدورها ولا بمشروعها في الراهن السوري، أحدها على الأقل يصنف من قبل العديد من الدول العربية والعالمية على أنه تنظيم إرهابي مثل ميليشيا حزب الله اللبناني، وهذه الميليشيات وعددها وفق تقارير إعلامية 66 فصيلا يتجاوز عدد مقاتليها العشرات من الآلاف معظمهم من المرتزقة الأفغان أو الباكستانيين أو من جنسيات أخرى.
هذه الميليشيات، لا تتلقى أوامرها من قيادة قوات النظام ولا يستطيع الرئيس الإيراني أو وزير خارجيته أن يقدما تعهدا، ولو كان شفويا، بإجبارها على الاستجابة لأي اتفاقية هدنة أو وقف إطلاق النار، فهي تسير وفق توجيهات من الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي يتبع بدوره مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي.
وقد بدأ خرق اتفاق وقف إطلاق النار، بعد ثلاثين دقيقة من دخوله حيز التنفيذ وتحديدا في منطقة وادي بردى الخاضعة لسيطرة فصائل من المعارضة وكتائب الثوار، ليس من بينها تنظيم داعش أو فتح الشام (النصرة سابقاً) حيث لا يبعد الوادي المذكور كثيرا عن منطقة الزبداني والقرى المحيطة بها التي يتمركز فيها حزب الله اللبناني بعد أن قام باحتلالها إثر تهجير سكانها، ونظراً لما تمثله دمشق ومحيطها من أهمية إستراتيجية للمشروع الإيراني، ذي ا لطابع العقائدي، كما أعلن ذلك المدعو “أبوعزرائيل”، أحد القادة البارزين في الحشد الشعبي العراقي، فهو ليس مشروعا سياسيا أو اقتصاديا على الإطلاق مثل المشروع الروسي فـ“روسيا لا تحارب من أجل الإسلام، وفق المفهوم الإيراني، ولا نحن نحارب من أجل المصالح الروسية” كما أكد ذلك رئيس الحوزات الشيعية وإمام جمعة أصفهان آية الله طبطبائي نجاد المقرب من خامنئي، في أعقاب احتلال مدينة حلب.
وقد بدا واضحا الإصرار على تحويل دمشق ومحيطها إلى أماكن خالية من أي وجود للمعارضة، وإحلال مستوطنين تابعين للولي الفقيه بعد تهجير سكانها الأصليين، كما حدث في مدينتي داريا والمعضمية، ثم الزبداني ومناطق أخرى، الأمر الذي لم تعارضه موسكو ولم تبد أي ملاحظة عليه، وهي المتهمة بأنها تقود مشروعاً لتقسيم سوريا، وإعادة تعويم الأسد في دويلة اقترح الأسد نفسه تسميتها “سوريا المفيدة”.
أمام هذه الخروقات المتواصلة لوقف إطلاق النار، لم يجد الوفد السوري المفاوض الممثل للفصائل المسلحة بداً من التهديد بأنه قد يعلق مشاركته في مؤتمر الأستانة، منتصف أو أواخر الشهر الجاري، وهو ما لا ترغب موسكو في سماعه أو حتى التفكير فيه، لأن أي تعطيل لذلك المؤتمر الذي تعول عليه لرسم تصورها الكلي للحل في سوريا وفرض نفسها لاعباً وحيدا في المنطقة، يعني أن الأمور ستخرج على السيطرة، وسيكون لزاماً التفكير في العودة إلى مفاوضات برعاية أممية تكون أجندتها مقررة وفقاً للقرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة في أوقات سابقة، والتي لا تصب في مصلحة نظام دمشق على المدى الطويل.
فهل يمكن أن تعيد موسكو ترتيب أوراقها وأن تمارس سلطة لا تمتلكها على الميليشيات الإيرانية لتنقذ مصلحتها أولاً؟ أم أن اتفاق وقف إطلاق النار ستتطاير أوراقه كما حدث في مرات سابقة، وتعود الحرب المفتوحة على الشعب السوري إلى سيرتها الأولى؟
هذان سؤالان قد لا يمتلك صانع القرار الروسي نفسه إجابات عليهما، بل ربما قد يتصادم المشروعان الروسي والإيراني قريباً لنرى حرباً من نوع جديد على الأرض السورية يكون ضحاياها مواطنين سوريين كما في كل الحروب التي حدثت خلال السنوات الخمس الماضية، والتي لا علاقة لها بالثورة السورية لا من قريب ولا من بعيد.
كاتب سوري
ثائر الزعزوع