الموصل بين إرهابيْن بقلم: فاروق يوسف  

 

أحد من أسوأ الاحتمالات التي تواجهها الموصل أن يتم استبدال تنظيم إرهابي بآخر يرتدي زي الجيش العراقي.

لو تُرك أمر الموصل للحكومة العراقية، فإن مسألة استعادتها سيتمّ إرجاؤها إلى الساعة التي يظهر فيها الإمام الغائب، حسب الرواية الدينية التي يؤمن بها أتباع المذهب الشيعي. فوجود داعش في الموصل ليس كوجوده في الرمادي أو الفلوجة.

 

هناك لن يكون له أيّ تأثير على بغداد أو المحافظات ذات الأغلبية الشيعية.

 

ولأن ما جرى للموصل عام 2014، يوم تمّ التخلّي عنها في ظرف ساعتين، يفتح الأبواب واسعة على تورّط المسؤولين الحكوميين في تلك الهزيمة التي لحقت بالجيش العراقي، يفضل حكام بغداد أن يتمّ التغاضي عن الموصل وطيّ صفحتها من خلال نسيانها.

 

وكما أرى فإن الشعب الذي سكت على الفضيحة التي انطوت عليها المسرحية التي تمّ من خلالها تسليم الموصل لداعش في إمكانه أن يستمرّ في صمته، منشغلا بالصراعات بين أطراف العملية السياسية.

 

لدى العراقيين ما يسلّيهم بعيدا عن الاهتمام بمصير إخوتهم في مدينة بعيدة، كانت قد عبّرت عن ضجرها وتململها بسبب السياسات التي اتبعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وهي سياسات تقوم على ميزان طائفي، لم تكن المدينة التي عرفت بميولها القومية قادرة على استيعاب مقاييسه. لقد دفعت الموصل ثمن وطنيتها.

 

تجربة سنتين من القهر الداعشي أثبتت للموصليين خطأ رهانهم على الخيار الوطني العراقي. لم يقف معهم أحد من العراقيين في محنتهم.

 

لم تقع حرب تحرير مدينتهم إلا لأن الولايات المتحدة شعرت بالحرج لأن مدينة مهمّة في إحدى محمياتها قد سُلّمت بمكيدة إيرانية إلى تنظيم إرهابي، توّج من خلال احتلالها زهو خلافته التاريخية.

 

لم تلتفت الولايات المتحدة إلى ما فعله المالكي لتعاقبه. عقاب المالكي يعني صداما محتما مع إيران. لذلك فضلت أن تعالج الفضيحة بنفسها، من خلال أدوات ووسائل، لن تؤدّي إلى إنقاذ المدينة إلا بعد هلاكها.

 

كان من المتوقع أن تتفاهم الإدارة الأميركية من خلال أجهزتها الاستخبارية مع داعش لتكون الموصل مدينة مفتوحة. غير أن شيئا من ذلك لم يحصل. وبقدر قسوة الخيار العسكري على المدينة المليونية، بقدر ما أبدت المدينة من الداخل موقفا سلبيا في مواجهة قرار تحريرها. ذلك لأن سكانها لا يثقون بالنتائج التي ستترتب على عودتهم إلى الوقوف تحت مظلة بغداد.

 

مَن يحكم في بغداد رسميا هو الطرف الأضعف في المعادلة السياسية.

 

ذلك ما تعرفه القيادة العسكرية الأميركية المشرفة على العمليات، وهو ما يجعلها تنظر بريبة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش العراقي في القتال. ذلك الجيش وبسبب تركيبته الطائفية لا يرى أهمية تُذكر لتحرير المدينة.

 

وهذا ما يسلّط الضوء على غياب الإرادة الوطنية التي لا يمكن أن يعوّضها التدريب الجيد والأسلحة الحديثة. وكما يبدو فإن الجيش العراقي بصيغته الحالية لم يُؤسس لأغراض الدفاع عن الوطن.

 

لقد تمّ استعمال ذلك الجيش في الكثير من المناسبات الطائفية. لذلك فإن التعويل عليه في مسألة تحرير الموصل هو آخر ما يمكن أن تفكّر فيه القيادة الميدانية الأميركية.

 

المعلومات الشحيحة القادمة من جبهات القتال في الموصل تؤكد أن التنظيم الإرهابي الذي يسيطر على المدينة لم يتعرّض بعد لضربات قاتلة. أما المناطق التي تمّ تحريرها فيشك أن التنظيم نفسه قد تخلى عنها تفاديا للخسائر التي يمكن أن تلحقها به الطلعات الجوية الأميركية.

 

المشكلة التي تواجهها القوات الأميركية تكمن في أن القوة التي يُرادُ لها أن تمسك بالأرض المحررة لا تخفي نزعتها الطائفية. فالقطعات العسكرية العراقية ترفع رايات وشعارات، هي عينها الرايات والشعارات التي ترفعها ميليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران. وهو ما يسبب قلقا من جهة ما ينطوي عليه تسليم المدينة إلى جهة غير موثوق بوطنيتها.

 

أحد من أسوأ الاحتمالات التي تواجهها الموصل أن يتمّ استبدال تنظيم إرهابي بآخر يرتدي زيّ الجيش العراقي.

 

كاتب عراقي

فاروق يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *