د.ريان توفيق الهاشمي يكتب :نحو وقاية مجتمعية من فيروس كورونا

دخل العالم مرحلة جديدة في التعاطي مع وباء كورونا وهي مرحلة التكيف مع الفيروس .. واستحقاقات هذه المرحلة تختلف عن سابقتها؛ إذ إن المرحلة السابقة ركزت على إيقاف مفاصل الحياة العامة بغية الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس، أما هذه المرحلة فتركز على فتح المرافق الضرورية والحاجية، وربما التحسينية حسب ظروف كل بلد.

والذي يعنينا اليوم هو استحقاقات هذه المرحلة الجديدة في ظل الوضع المتأزم في بلدنا المتمثل بازدياد نسبة الإصابات بصورة كبيرة، وضعف الإمكانات الطبية على المستوى الخدماتي .. واستحقاقات هذه المرحلة على وجه الخصوص تكمن في لبس الكمامة والقفازين والتباعد الاجتماعي والحذر من التلامس والحد من التلاقي على المستويات كافة .. هذا ما يكاد يجمع عليه الأطباء المختصون بأمراض الفيروسات والعدوى، وهو ما تؤكده منظمة الصحة العالمية .

إلا أن الوعي الجمعي مازال لا يتقبل مثل هذه الإجراءات، بل يشكك في جدواها وأهميتها، ويستغرب ممن يلتزم بها، فما زال الكثير يرى أن القضية مبالغ فيها، ولا تقتضي أن نَحْمل أنفسنا على الحذر من احتمالية الإصابة بالفيروس، ونقل الإصابة بالعدوى إلى الآخرين، مع أن القضية هي قضية حسية واقعية مشاهدة لا يمكن لعاقل أن ينكرها.

إن التهاون من الوقاية من هذا الفيروس يعد انتهاكا صارخا لمبدأ حفظ النفس الذي أقرته الشريعة، ورسخته في النفوس على مساحة القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أن عدم الاكتراث بوسائل الوقاية يعد هو الآخر تجاوزا على حقين، الأول: حق الشخص في حماية نفسه، والثاني : حق الآخرين في الحياة .

ولا بد أن يستقر في عقولنا أن الوقاية ليست عيبا، لبس الكمامة والقفازين ليس عيبا، التباعد في الأماكن العامة ليس عيبا، تعقيم اليدين بعد التلامس والاختلاط ليس عيبا، بل العيب والحرام هو تعريض النفس والغير لخطر الإصابة بالفيروس، وعدم المبالاة بالتحذيرات التي تطلقها الجهات الصحية المحلية والعالمية.

وكثيرا ما نسمع من يقول: إن الأماكن العامة مكتظة بالناس، وهؤلاء جميعا لا يلبسون الكمامات، ولا يتقيدون بتعليمات الوقاية، فلم يُطْلَبُ منا الوقاية؟ الحقيقة أن هذا المنطق أوهى من خيط العنكبوت؛ إذ الأصل الذي يتخذه أولئك الإخوة دليلا للتفلت من الوقاية، وعدم المبالاة باحتمالية الإصابة، هو في ذاته وواقعه خطأ محض، ومجازفة عظيمة، وتهاون في حفظ النفس، فكيف يكون أصلا يقاس عليه غيره؟!

آن الأوان أن ننفض تصورات القرون الوسطى في التعاطي مع نوازل العصر، وأن نخرج من ربقة تلك الأعراف التي تصادم العقل والمنطق في التعاطي مع المستجدات، وأن نصغي لشريعتنا التي تنادينا بهذا النداء الراقي: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )). وسبيل إحياء نفوسنا ونفوس الناس من حولنا في أجواء جائحة كورونا إنما هو بالوقاية.. هذا منطق القرآن الكريم، وهذا هومنطق النبي الكريم الذي أسس مبدأ التباعد خشية الإصابة بالأمراض المعدية فقال: ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ )) رواه البيهقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *