ورقة التحالف ووصايا المرشد وبينهما العراق حامد الكيلاني
التسوية خارطة طريق لغرض دكتاتورية الأغلبية والتسليم بعدم وجود حل لعقدة النظام السياسي في العراق، لأنهم يعتبرون العملية السياسية للمحتل الأميركي وما تحظى به من رضا الولي الفقيه الإيراني خطا أحمر لا يجوز المساس به.
أيهما أقرب إلى الحقيقة، أن نقول الأحزاب المشاركة في العملية السياسية التي جاء بها المحتل أم الفصائل السياسية المسلحة، والتجربة بعد 13 عاما أفرزت أنظمة توتاليتارية تقتل باسم الخير وتحت مظلة العقائد والقوانين والأعراف والانتماءات، كما هو حال المجاميع الطائفية لولي الفقيه الإيراني، إلى تنظيم داعش الإرهابي، إلى سلوكيات الحكومات المتعاقبة على الحكم وتستحق عن جدارة صفات قادة المجازر، لأنها بسلوكياتها حوّلت العراق إلى معسكر لممارسة الرعب يُدرِبُ من يتبقى على التعايش مع الرعب والمفاجآت والانقلابات السريعة.
لماذا سقطت ورقة التوت الأخيرة، ونُزعت الأقنعة مع الفصل الذي تقررت فيه معركة الموصل، وأدخلت الجميع إلى صالة قمار ولعبة روليت دموية تتعجّل رسم النهايات لخارطة طريق العملية السياسية وفق إرادات المشروع الإيراني ووكلاء حكمه الذاتي القابعين في المنطقة الخضراء، أو بالأحرى القاعدة الأميركية التي وجدت في العمل الدبلوماسي لسفارتها تناغما مع براغماتية “التقية” التي تتم بها إدارة الاحتلال الإيراني.
الاهتمام الإعلامي بزيارة وفد التحالف “الوطني العراقي” لإيران ولقائه بكبار المسؤولين يدلل على أهمية المناسبة وتوقيتها. فمن البديهي أن اللقاءات لم تنقطع والتواصل والتشاور وخاصة الإصغاء بعمق لوصايا خامنئي ليست جديدة، لكن هذه المرة مطلوب أن تمرر رسائل وتبادل تهاني توصل إلى العراقيين والعرب والعالم مدى اعتزاز المرشد بالدور الكبير الذي بذله التحالف الطائفي للكتلة الأكبر في البرلمان لإقرار قانون الحشد الشعبي، وهو يشكل عند القيادة الإيرانية انعطافة تاريخية في ترسيخ المشروع الإيراني في العراق والمنطقة.
قانون هيئة الحشد الشعبي يوازي الاحتلال الرسمي للعراق من قبل الحرس الثوري الإيراني، وما يتبعه من مهمات عسكرية وسياسية لفرض السيطرة على صناديق الانتخابات القادمة في العراق بوسائل ديمقراطية على مقاسات الرعب والتخوين والإلغاء والنظم الانتخابية، وعلى غرار التجارب السابقة مع فارق الإضافة في خواتيم لعبة أقنعة إخوة الوطن الواحد.
أما المهمّات العسكرية فالتصريحات لم تنقطع عن مشاركة الحشد الطائفي الميليشياوي بامتياز في سوريا بعد معركة الموصل التي لم تنته وبدأت تتعثر وتتحول إلى وبال وحصار شامل للمدنيين فيها، ونتائجه في تقارير فصل المجاعة القادم والحرب الضروس ضد الأبرياء، وتبدو الموصل توأم حلب مع فوارق الذرائع.
حجة قادة الحشد بالتحول إلى سوريا هي حماية الأمن القومي العراقي؛ والسؤال ماذا عن الفصائل الطائفية التي ارتكبت المجازر في حلب، وقررت الوقائع على الأرض وتتفاوض بفم المرشد وتملي شروطه في اتفاقيات وقف إطلاق النار والهدن والإجلاء والترحيل والتنكيل، أليست هذه المجاميع المسلحة جزءا من الحرس الثوري العراقي أو ما يسمّى بالحشد الشعبي، أم أن كل ما حصل في حلب مجرد مقدمة لاجتياح واسع النطاق لحلف روسيا – إيران-سوريا، ومعهم العراق، كما جاء في وصية خامنئي لزعيم التحالف “الوطني العراقي” والوفد المرافق له بعدم الثقة في الأميركان، بما دعا رئيس الوفد وأجبره ضمنيا على التصريح، وهو في إيران، برفض أي بقاء أو زيادة للقوات الأميركية على العراق بعد معركة الموصل.
الأميركان يدركون أن الحلف الروسي واقعي وأن أيتام الاحتلال الأميركي بين نارين؛ فالذين جاء بهم المحتل الأميركي ونصّبهم حكاما للمنطقة الخضراء سيظلون في فصل خريف دائم، عراة دائما، وهذا حال العملاء في كل زمان ومكان، ينظر لهم كإمعات من الخونة سرعان ما ينقلبون عليهم في اللحظات الفاصلة؛ لكن الكارثة في عملاء المحتل وأدلائه هي العمالة المزدوجة وفي مَثلِنا التبعية لولي الفقيه تتقدم نفسيا وروحيا على عمالتهم لأميركا، وذلك طبيعي في تشخيص المرض لأنهم يضعون العراق بعد الولاء لطائفيتهم ومرجعيتهم السياسية التي تتولى بولاية الفقيه دورها المزدوج.
وبما أن حديثنا عن اكتمال عري العملية السياسية في العراق المحتل، فلا بد من سقوط الورقة الأخيرة، ورقة التسوية السياسية الموسومة بالتاريخية وبمواصفات التحالف الطائفي ولأنهم يُشبِّهونَها بغصن الزيتون، فهذا يعني أن حملتها من دعاة السلام؛ فبعد 13 عاما من الإبادات والفصل الطائفي والسجون والتعذيب والتفريط في المدن المطلوبة طائفيا، وكذلك للمحاسبة على إجبار الخميني وجيشه على تجرّع السم بعد 8 سنوات من حرب طاحنة؛ يضعون لها شروطا مسبقة، الاعتراف بالعملية السياسية، لا مصالحة مع كل المشمولين بالقوانين السابقة للحاكم المدني بول بريمر، إصلاح وليست مصالحة، مرحلة استبعاد وفرز، التحرك في كافة أنحاء العالم لرفض أي نشاط سياسي يعارض الحكم في العراق، استبعاد فصائل غير مشمولة سابقا بالإقصاء والتهميش، والغرض منها صناعة رؤية للغد؛ الأهم أن تصل للشركاء يضاف إليها أو تُرفض.
ماذا تعني هذه الورقة بعد مرحلة داعش، وبعد إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي بالأغلبية الطائفية في البرلمان، وارتفاع الأصوات بنعت الشركاء حتى داخل العملية السياسية بالقتلة والمجرمين والإرهابيين والدواعش الذين يحميهم الدستور.
تحت سقف هذا المنطق والواقع أين تتجه بوصلة الأحداث مع معطيات مجازر حلب وزيارة تحالف “حملة غصن الزيتون” لتلقي تبريكات ووصايا خامنئي، ومجهولية مصير الموصل، ومطبّات الخطب النارية لبعض قادة الميليشيات، وتهديد إقليم كردستان وردود الأفعال الغاضبة عليها، وتهديد أحدهم بصبغ شوارع العراق بالدم لتعرض زعيم سياسي إلى هياج جماهيري أثناء زيارته للبصرة.
دائما في حالة الانغلاق هناك شوط إضافي يُتركُ لتدبّر الأمر والتفكر والتعقّل، ثم التوكل لقلب الصفحات المؤلمة لكل الأطراف وإن اختلفت الخطوب والمصائب وذلك هو الاكتشاف العظيم الذي لم يجربه أحد ولن يفعله؛ لكن ورقة التسوية السياسية يراد منها في ضوء كل المعطيات تبرئة ذمة الكتلة التي مهدت، منذ مؤتمر المعارضة في لندن قبل الاحتلال، لنظام المحاصصة الطائفية وألغت عروبة العراق وفرضت دستور المكونات.
التسوية خارطة طريق لغرض دكتاتورية الأغلبية والتسليم بعدم وجود حل لعقدة النظام السياسي في العراق، لأنهم يعتبرون العملية السياسية للمحتل الأميركي وما تحظى به من رضا الولي الفقيه الإيراني وتلاميذه الصغار خطا أحمر لا يجوز المساس به؛ رغم أن الانقلاب عليها لا يحتاج إلا لعراقيين أصلاء لم يتلوثوا لا بالمال الحرام ولا بالعمالة لملالي إيران أو لمحتل غاصب.
ورقة لتبرئة ذمتهم مما قرروه وبيّتوا له من عبور حائط أخير في مضمار توفير المبررات دون رادع من وطن أو مواطنة. ورقة لرفع العتب من أجل عراق طائفي إيراني بكل معنى الكلمة. ورقة ستقصم ظهر الأمل بالعراق الواحد.
كاتب عراقي