الحجيج بسلام في مكة برعاية المملكة العرب: أسعد البصري رصد: عراقيون

 

السعودية لم تسيس الحجيج بل الخميني فعل ذلك، وفرض التظاهر السياسي وسبب كوارث دموية عدة مرات أشهرها عاما 1987 و2015، مع هذا التزمت المملكة دوما بحق المسلمين الإيرانيين بأداء مناسك الحج بحرية وأمان.

 

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يقول “طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة عدواني وإعلان حرب ضد المملكة”. دولة قطر قد أعلنت الحرب على السعودية بتقديمها مذكرة شكوى رسمية تطالب بتدويل العتبات المقدسة في مكة والمدينة. قضية هددت بها طهران مرارا ولم تقدم عليها. وهي فكرة الخميني الشهيرة. وكدليل جديد على أن الخمينية والإخوان المسلمين مشروع واحد، نهضت قطر بتنفيذ حلم الخميني عمليا.

 

السعودية تتجه نحو التنوير وقوة المملكة الأساسية ليست أنها دولة نفطية ضخمة وحليف قوي للولايات المتحدة فقط، بل بسبب وجود العتبات المقدسة لمليار مسلم. السعودية وطن النبي محمد أعظم عربي طلعت عليه شمس.

 

دولة قطر تعرف ذلك جيدا ولا تريد أن تمتلك المملكة كل ذلك المجد، إضافة إلى العقل والتنوير الحديث فماذا فعلت؟ قدمت شكوى دولية إلى الأمم المتحدة تطالب بتدويل الحجيج وسحبه من سيطرة الدولة السعودية. ماذا تريد قطر؟

 

تريد قطر وقف التحول التنويري السعودي، وأن تشغل المملكة بالدفاع عن حقها بخدمة الحرمين الشريفين وأن المملكة بلد إسلامي محافظ يطبق الشريعة وغير ذلك من الكلام الذي يوقف التحول الانفتاحي والجدل التنويري.

 

قطر خلفها الإخوان المسلمون، شياطين بلباس بشر، يريدون وقف الدمج الفطري الحاصل في خيال المسلمين بين النبي محمد والكعبة من جهة، وبين الدولة السعودية من جهة أخرى.

 

السعودية ترى في التنوير وفي الفكر العقلاني الحديث خيرا كثيرا. فلا ينقص المملكة الكفاءات ولا المثقفين الكبار. لخمسة عقود وهي تملأ جامعات أميركا بشباب الموهوبين، ولا مفر من التنوير في رؤية المملكة 2030 لأن التحول الصناعي يفترض التحول الاجتماعي العلماني.تركيا مثلا يمجدها الإخوان المسلمون ويطلق القرضاوي على أردوغان كلمة “أمير المؤمنين”، والحقيقة تركيا مدينة للمجتمع التركي العلماني في تحولها الصناعي وإنجازاتها الاقتصادية. من السياحة الأجنبية وحدها تجني تركيا 40 مليار دولار سنويا، وهي سياحة غربية خالصة في معظمها. البارات والملاهي وحفلات القمار واستقبال النجوم العالميين للغناء في الكازينوهات والمنتجعات.

 

هذا في نظر الإخوان مقبول جدا، فالمهم مشروعهم السياسي. بينما يلاحقون السعودية على مشروعها الخاص بالتحول التنويري ورؤية 2030. لا يعجبهم أن تنجح المملكة في المستقبل القريب باستقبال الأجانب لسياحة أخرى غير السياحة الدينية. لا يعجبهم أن تجمع المملكة يوما بين أموال الحجيج وأموال السياحة العادية. لا يريدون المملكة أن تنجح في الجمع بين الحاجات الروحية والحاجات الدنيوية.

 

الإخوان المسلمون يُصعبون مشروع السعي نحو الرفاع على السعودية بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة لتدويل الحجيج. لا أعرف ما هي المشكلة في أن تكون السعودية مهبط الوحي وفِي نفس الوقت دولة تنويرية تنسجم مع العصر الحديث. الإخوان المجرمون بخبثهم يريدون إحراج المملكة بسؤال خاطئ: هل تريدون الـ“وحي” و“محمد” ونبذ الكفر، أم تريدون العقل الغربي ونبذ الخرافات؟

 

السعودية لم تسيس الحجيج بل الخميني فعل ذلك، وفرض التظاهر السياسي وسبب كوارث دموية عدة مرات أشهرها عاما 1987 و2015. مع هذا التزمت المملكة دوما بحق المسلمين الإيرانيين بأداء مناسك الحج بحرية وأمان. السعودية لم تسيس الحجيج بل الإخوان المسلمون فعلوا ذلك. يصرحون علنا بأنه يصعب عليهم عقد اجتماعات دولية بسبب الرقابة على نشاطاتهم الإرهابية، وإنهم لجأوا إلى حيلة اللقاء والاجتماع في الحجيج والعمرة.

 

أخطر شيء قام به الإخوان هو خلط التفكير المعاصر بالدين. فهم يستخدمون المراجعات الثقافية الحديثة ويخلطونها بالفكر الديني. يدخل أحدهم في جدل فكري ثم يفاجئك بالدليل الشرعي. هو يعتبر النص الديني والقياس الفقهي والاستدلال الشرعي مصادر أساسية للعقل والحقيقة والسياسة.

 

الفكر السياسي المعاصر يعني قطيعة مع العقل الغيبي ولا سبيل إلى تثوير الدين أو تحويله إلى أحزاب في العصر الحديث. العقل الحديث قائم على براغماتية وفهم إنساني جديد. نحن لا نستطيع خلق حلول واضحة لوجودنا داخل حيلة إخوانية تعتبر كلام الأولين دليلا عقليا للإشكاليات السياسية المعاصرة وللحقيقة المطلقة.

 

لقد تم تسليط الأضواء على الحيلة الفكرية التي خلقها الإخوان منذ حسن البنا وسقوط الدولة العثمانية. فمنذ أن أفاق العرب على الحضارة الغربية كانوا يتساءلون لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ وكانوا يحاولون بصدق اللحاق بالحضارة الجديدة.

 

الإخوان قلبوا الآية. بدلا من الاحتفال بسقوط الخلافة العثمانية وتحرر العرب من نير القهر التركي، جعلوا من ذلك مؤامرة على الإسلام، وبدلا من التفكير بتخلفنا صاروا يهاجمون الغرب على أنه متفسخ أخلاقيا وأن المسلمين أرقى روحيا وأخلاقيا منهم. هذه أكبر خدعة ثقافية صنعها الإخوان المجرمون. الحنين إلى الخلافة التركية واحتقار الغرب وتشويهه بنظر فقراء المسلمين.

 

إن ضرب حكومة قطر ومقاطعتها وتأديب الإخوان قد انعكس على المنطقة بالخير الغامر، بدأنا نستشعر الراحة. قطر كانت تبقي الجدل الطائفي ساخنا. قناة الجزيرة ودعم متطرفين بالمال والسلاح. بعد التأديب السعودي لقطر حدث استرخاء وبدأ الحوار العقلاني يأخذ مكانته في المنطقة.

 

لن ينتكس المشروع التنويري السعودي ولن تتراجع الإصلاحات، ولن تفشل رؤية المملكة 2030. الذي سيفشل هو الحكومة القطرية وحلفاؤها من الإخوان.

 

السعودية دولة عاقلة وحكيمة. ألم تتحمل من قبل سخافات الشاعر العراقي مظفر النواب ولم تصدر بحقه فتوى ولم تهدده على الإطلاق. شاعر مدح الإرهابي جهيمان العتيبي علنا “يا جهيمان حدق/ فما يملكون فرائصهم/ فإذا طوفوا كان وجهك أو سجدوا”، ويقول “أيها الناس أعلن أن الحجيج سلاحا بمكة في السنة القادمة”، وامتدح الحزام الناسف “إنني صبٌّ أسمي كل ما يسلب لبي خمرةً/ إن كان حسنا أو قراح الماء من كف كريمٍ أو حزاما ناسفا أو بيت شعر أو مداما”، ويقول بأنه ينتمي إلى محمد شرط دخول مكة بالسلاح ويمتدح الخميني ويغازله “مبايعٌ وبي خصامْ”. مع هذا السعودية رأت في مظفر النواب شاعر أغان جيد ومجرد شاعر مخبول. والسعوديون يسمعون شعره الغنائي باستحسان ويغفرون له شعره المكتوب في حالة سكر. ولو احتاج إلى علاج أو مساعدة لا اعتقد بأن المملكة تتردد بعلاجه ومساعدته. المملكة دولة حكيمة وعاقلة شعبا وحكومة.

 

السعودية تستقبل وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي المتخرج من كلية الأركان في كاشان الإيرانية بفيلق بدر، وكان بمثابة جندي لدى الجيش الإيراني. وتستقبل مقتدى الصدر مؤسس أول ميليشيا في العراق.

 

يزور مقتدى الصدر حاليا بلدا لا يلتقط الشعرات التي سقطت من جسده للتبرك. لا أحد هناك يشرب الماء الفائض من قدحه، ولا أحد يلعق يده وعمامته. والكرسي الذي جلس عليه لن تزداد قيمته، وفي الفندق الذي ينام فيه ستغسل الشراشف للضيف الجديد، ولن يحتفظ ببطانيته أحد. إنه في بلد آخر لا مكان فيه للخرافات العراقية، ولكن يمكننا الاتفاق معه بشأن مهووسي العراق. فهذا الرجل مهما كان “إمام الغوغاء” وقد قال السلف “لا تسبوا الغوغاء فإنهم يخرجون الغريق، ويطفئون الحريق، ويؤنسون الطريق، ويشهدون السوق”.

 

السعودية تسامح وترحب بالعودة إلى العقل وتساعد على الصلاح والإصلاح وليست حقودة. لن تهز المملكة حالات الحقد الإخوانية والقطرية. الدوحة هي التي رحلت عن “الحمى” وخير لها أن تعود قبل أن يستبد بها الكمد والجنون.

 

كاتب عراقي

أسعد البصري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *