سياسيو العراق أكثر ولاء لإيران من الإيرانيين *بقلم: فاروق يوسف *رصد عراقيون

 

التعويل على صدور قرار أميركي بإخراج إيران من العراق يبدو نوعا من الأوهام. إدارة العراق المحطم صارت اختصاصا إيرانيا.
ليست المشكلة في مَن يُرغم إيران على ترك العراق بل هي في استناد الطاقم السياسي الحاكم في العراق على الدعم الإيراني.

ذلك الطاقم الذي سلمه المحتل الأميركي السلطة بذريعة المحاصصة الطائفية يستمد قوته وقدرته على الاستمرار في الحكم منذ سنوات مما توفره له إيران من حماية.

الوصاية الإيرانية التي لم تستثن أحدا من أفراد ذلك الطاقم كانت في كثير من الأحيان بمثابة مظلة يعودون إليها بعد قطيعة.

ما تعرفه إيران أن بعضهم يكره البعض الآخر ويتمنى له نهاية سيئة وهو ما عرفه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر قبل إيران.

غير أن وجودهم بكل مثالبهم كان ضروريا بالنسبة لبريمر ولإيران من بعده. فهم نواة الدولة الفاشلة التي قُدر للعراق أن يحتضنها.

لهذا ينبغي أن لا يقودنا الظن إلى أن إيران موجودة في العراق عنوة كما لو أنها قوة احتلال غاشمة وهي كذلك واقعيا. فالحقيقة تقول شيئا مختلفا.

تلقائيا فإن كل ما تميل إليه الكتل السياسية الحاكمة في العراق انما يدخل في خدمة المشروع الإيراني بدءاً من نظام المحاصة وانتهاء بعسكرة المجتمع بالطريقة التي تجعله خاضعا للميليشيات.

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد اخترعت أسبابا للحرب الأهلية في العراق بين عامي 2006 و2007 سعيا منها لطي صفحة المقاومة فإن إيران لم تضغط على نوري المالكي من أجل التخلي عن الموصل لداعش عام 2014. لقد كانت تلك هديته إلى إيران التي لم تكن تتوقعها.

مشكلة العراق الحقيقية تكمن في أن هناك عراقيين هم أكثر ولاء لإيران من الإيرانيين أنفسهم.

وهو ما يُريح إيران في صراعها مع القوى الإقليمية والدولية التي تطالب بتحجيمها واعادتها إلى حدودها.

وإذا ما كان حسن نصرالله صريحا بطريقة صادمة في التعبير عن ولائه الإيراني فإن أفراد الطاقم السياسي الحاكم في العراق ينافسونه في ذلك الولاء بالرغم من أنهم لا يملكون صراحته.

العراق في حقيقته بلد تحكمه سفارتان: الأميركية والإيرانية. ليس مهما هنا ما بين الولايات المتحدة وإيران من عداء. فالدولتان تعرفان حجم ما تقاسمتاه من نفوذ في ذلك البلد الذي قرر سياسيون من أهله الذهاب به إلى الهاوية. وهما تنسقان في ما بينهما في ذلك الاتجاه.

أولئك السياسيون الذين لا يثقون بالشعب بل ولا ينظرون إليه بطريقة جادة ومحترمة يدركون أن مصيرهم السياسي لا تقرره إرادة شعب ساهموا في تمزيق نسيجه الاجتماعي ودمروا ارثه الثقافي المشترك وجروه إلى القاع من فلكلوره الديني الرث.

لذلك فهم حين يتلفتون ذعرا، بعضهم من البعض الآخر فإنهم لا يجدون أمامهم سوى أبواب السفارة الإيرانية. اما أبواب السفارة الأميركية فإنها مغلقة في وجوههم، لا بسبب خلو أيديهم من أي شيء يمكن أن يقدموه للولايات المتحدة حسب، بل وأيضا لأن الاميركان يديرون مصالح بلادهم في العراق بالطريقة التي تناسبهم وهم الذين صنعوا العراق الجديد.

غير أن ارتماء سياسيي العراق في أحضان إيران لا يشكل خروجا عن طاعة الولي الأميركي كما يتوهم البعض. فالولايات المتحدة لم تكن يوما ما مهتمة بإدارة شؤون البلد الذي كان هدفها من احتلاله يتلخص في تدميره واخراجه من المعادلة السياسية في المنطقة.

وكما أثبتت الوقائع فإن إيران هي الجهة المؤهلة للاستمرار في تنفيذ ذلك الهدف. لذلك فإن إدارة العراق المحطم صارت اختصاصا إيرانيا.

وهو ما يعني أن اخراج إيران من العراق سيؤدي إلى ما لا ترغب الولايات المتحدة في وقوعه.

في ظل كل تلك المعطيات فإن التعويل على صدور قرار أميركي بإخراج إيران من العراق يبدو هو الآخر نوعا من الأوهام.

العراق الذي تمنى الكثيرون أن يكون أميركيا بعد وقوع كارثة الاحتلال انتهى إلى أن يكون إيرانيا ولا أتوقع أن يجد العرب الطريق سالكة إلى العراق في وقت منظور.

فما لم يتم اسقاط العملية السياسية الحالية القائمة على أساس تقاسم السلطة بين أحزاب موالية لإيران فإن البلد الذي عُزل عن العالم منذ أكثر ربع قرن سيظل محكوما بعزلته التي تدفع به أكثر وأكثر إلى الحضن الإيراني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *