لماذا أفضل العيش في دولة مدنية /  حميد زناز  

 

نحن نعيش في دول نصف دينية وفي دول دينية حقيقية في بعض الأحيان، وبدل الخوف من الدولة الدينية الزاحفة، من الأولى أن نبدأ برفض ما هو قائم منها بالفعل.

 

يعيش بيننا من يحاول فرض دولة دينية. بل من يريد العيش في الدولة المدنية والدينية في نفس الوقت. في رسم هزلي عبّر رسام جزائري شاب عن هذا الوضع الغريب حينما جعل بطل رسمه يقول وهو في عرض البحر هاربا على ظهر قارب صغير نحو أوروبا “أعطي صوتي للدولة الدينية في الانتخابات، ولكنني أحب العيش في دولة مدنية”.

 

هذا الارتباك هو الذي تعانيه الأنظمة العربية القائمة: فهي لا تستطيع تطبيق الشريعة كاملة ولا تستطيع تركها كاملة. رِجلٌ في الدولة الدينية وأخرى في الدولة المدنية. صوّت للإسلاميين في الجزائر وغيرها، شبان لا علاقة لهم بالتديّن ولا يرغبون في العيش في دولة يحكمها رجال دين.

 

ولكن لمن يعطي صوته كائنٌ بائس ثقافيا علمته العائلة، ثم المدرسة والإذاعات والتلفزيونات المحلية والدولية وكل المحيط، أن الدولة الدينية هي المثلى، وأن العدل لا وجود له سوى تحت حكم شيوخها؟ مع وجود أحزاب إسلامية وفي هذه المرحلة بالذات المنعدمة فيها أبسط المؤسسات الديمقراطية الحديثة الضامنة للتعدد الفلسفي والثقافي والسياسي، يصبح الحديث عن الديمقراطية والانتخابات من باب العبث والانتحار. ولذلك فإذا لم تتجنّد القوى الحداثية والعقلانية في الميدان، فإن الدولة الدينية آتية لا ريب فيها في الجزائر وفي غيرها، وقد تحقق الجزء الأكبر منها في أغلب بلداننا. ولو بنسب متفاوتة. نحن نعيش في دول نصف دينية وفي دول دينية حقيقية في بعض الأحيان، وبدل الخوف من الدولة الدينية الزاحفة، فمن الأولى أن نبدأ برفض ما هو قائم منها بالفعل. وألا يلهينا ما هو آت عمّا أصبح عاديا لا يثير أدنى قلق.

 

ينبغي أن نعيد النظر في التطبيع الثقافي مع الأصولية ومشروعها السياسي. لا فرق بين شقها العنيف وشقها المدعي الاعتدال، فكل ما في الأمر أن هناك أصولية ثورية حركية وأصولية إصلاحية نظرية. تمثّل الأولى أقلية تريد دولة الشريعة حالا. والثانية إصلاحية تمثل الأغلبية، تهدف إلى إقامة الدولة الثيوقراطية بالتدرج وعن طريق انتخابات شعبوية وفق شعار “صوتكم أمانة تحاسبون عنه يوم القيامة”.

 

هل من المعقول أن نسمح بإقامة انتخابات جوفاء تسمح للأصوليين بالاستحواذ على أغلبية دينية، وتحويلها إلى أغلبية سياسية في غياب مؤسسات تحمي كيان الدولة المدني؟

 

ليست الانتخابات كنه الديمقراطية، كما يريد أن يوهمنا، بل هي طريقة في اختيار من يدير البنيان الدولتي القائم سلفا، وهو شرط المرور من دولة “الرعية” إلى دولة المواطنة. وحينها فقط نضمن حرية الضمير والتعبير وأسلوب العيش ونضمن احترام الاختلاف.

 

تجنبا لهذه الكارثة ينبغي فصل الدين عن السياسة لضمان تنافس من أجل الوصول إلى السلطة، وهو الطريق الوحيد لتفادي ما نحن عليه اليوم: أناس يريدون البقاء في الحكم باستعمال الدين، وآخرون يريدون الوصول إلى الحكم عن طريق الدين أيضا.

 

ومن هنا فمن البديهي أن أرفض إقامة هذا النموذج من الدولة الدينية في بلدي، الدولة التي ستتدخل في حياتي الشخصية. وهل من الديمقراطية في شيء أن نفرض أسلوب عيش اعتمادا على ميزان الأغلبية والأقلية؟ هل يمكن أن ننظم انتخابات قبل وجود عقد اجتماعي؟ كيف يمكن المشاركة في لعبة لا أحد يعرف ضوابطها؟ ألم تفز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر في انتخابات بلدية، ثم في الدور الأول من انتخابات تشريعية دون أن تعقد مؤتمرا واحدا.

 

كاتب من الجزائر

حميد زناز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *