لغة الاستعلاء الفارسي / سالم الكتبي

 

هل يعقل أن يقول دبلوماسي يدرك ما يحيط به من تعقيدات ومتغيرات استراتيجية بالغة التسارع والتعقيد والعمق، إن عرض الحوار هو ‘فرصة لن تتكرر’ وإن على الباقين استغلالها.

أشفقت على حامد أبوطالبي مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو “يغرد” تعليقاً على جولة روحاني، قائلا “مبادرة روحاني الإقليمية لقبول دعوة زعيمي سلطنة عمان والكويت هي مؤشر على الحاجة إلى إقامة صداقات إسلامية واستعادة العلاقات الإقليمية، وإن هذه المبادرة الإقليمية فرصة يتعين على أصدقائنا في المنطقة أن يستغلوها لأنها لن تتكرر. استغلوا الفرصة الطيبة”.

 

مبعث شفقتي على أبوطالبي لأسباب عدة أهمها أنني وجدت أن الملالي “الصغار” لا يختلفون عن الملالي “الكبار” في استعلائهم وغطرستهم المذهبية، بل يفتقرون، مثل كبارهم، الذين علموهم السحر والألاعيب، إلى لغة الدبلوماسية ولا يعرفون سوى لغة الاستقطاب المذهبي الخبيث، وثاني هذه الأسباب أن “تغريدة” أبوطالبي ذكرتني بالبائع الذي ينادي على بضاعة لا يقبل المتسوقون على شرائها في سوق راكد، فيغريهم بأنها لن تعود ثانية إلى السوق وأن المعروض هو القطع الأخيرة وبسعر مغر.

 

هل يعقل أن يقول دبلوماسي يدرك ما يحيط به من تعقيدات ومتغيرات استراتيجية بالغة التسارع والتعقيد والعمق، إن عرض الحوار هو “فرصة لن تتكرر” وإن على الباقين استغلالها؟ هذه لغة تليق بالبازارات وليست لغة حوار، فالدبلوماسية تفتح الأبواب ولا تغلقها، بل لا تتناول مجرد الإشارة إلى إغلاقها، ولا يفعل ذلك سوى تجار بضاعة “بائرة” أو كاسدة لتلف بها أو لمبالغة في أسعارها أو لسوء خامتها ورداءة صناعتها.

 

أدرك يقينا أن لغة البازار تسيطر في الكثير من الأحيان على السياسة الخارجية الإيرانية، وأن المفاوض الإيراني يتمتع بقدر هائل من الصبر والتريث والمناورة واستنزاف الآخر، بحكم خبرة تاريخية عميقة مستمدة من ثقافة حياكة السجاد، التي تكرس الصبر في الوعي الجمعي للشعب الإيراني، ولكن “المناداة” على ما تسميه إيران بمبادرة روحاني بهذه الطريقة البائسة تفقدها الكثير من فرص نجاحها، لأن “الصبية” الذين كلفهم البائع بالمناداة على بضاعته يروجون لها بأساليب منفرة ومسيئة ولا تغري أحدا بالشراء أو حتى بمجرد المعاينة والمشاهدة.

 

لا أدرى عن أي فرصة يتحدث أبوطالبي حين يقول إنها لن تتكرر، وكيف يعتقد أن مجرد حديث للرئيس روحاني عن حوار يزيل ما وصفه بسوء الفهم في مناخ العلاقات الخليجية- الإيرانية يمثل “فرصة”؟ أي فرصة في الخداع والمخاتلة والتنكر من ممارسات ماثلة للعيان؟ وأي حوار هذا الذي يبدأ بالخداع وإنكار أصل المشكلة وجوهر الأزمات؟

 

إن كانت هناك فرصة فهي بالأحرى للملالي كي يعيدوا ترتيب أوراقهم وقراءة المشهد الاستراتيجي الإقليمي والدولي جيدا، ثم التصرف بحكمة بما يجنب المنطقة والشعب الإيراني المزيد من الأزمات، التي لم تعرف سواها بلادهم منذ عام 1979.

 

تنشأ الفرصة الحقيقية في الخليج العربي حين تتوافر عوامل عدة حقيقية في مقدمتها تخلي إيران عن رعاية الإرهاب وميليشياته ووكلائها في دول المنطقة، ويتراجع ترتيبها ضمن قوائم الدول الراعية للإرهاب، وتنشأ الفرصة حين تبدي إيران نية جادة لجوار حقيقي من دون شروط مسبقة، ووفق أجندة مدروسة تتضمن قضايا خلافية محددة بين دول مجلس التعاون ونظام طهران.

 

وتنشأ الفرصة أيضاً حين يعترف الملالي بسيادة العراق وسوريا واليمن، ويكفون عن ترديد مزاعمهم بشأن مملكة البحرين الشقيقة، ويتخلون عن احتلالهم للجزر الإماراتية الثلاث، ويغيرون سلوكهم الإقليمي، ويطرحون معطيات جادة ينطلق منها ويرتكز عليها التعايش الإقليمي في الخليج العربي.

 

بالأمس، تابعنا جميعا اتهامات تركيا لإيران رسمياً بإرسال لاجئين إلى ساحات الصراع في سوريا والعراق والعمل على زعزعة استقرار المنطقة، كما لا يجب غض السمع والبصر عن اتهامات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لإيران بأنها تريد تحويل سوريا والعراق إلى المذهب الشيعي، وقبل ذلك بأيام تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطر “القومية الفارسية”، فهل تعتقد أن الأتراك يفبركون اتهامات ضد الملالي أيضاً وهم من كانوا بالأمس القريب ضيوفاً على موائد إيران ويعلنون الشراكة ويتحدثون عن المصالح والأهداف المشتركة.

 

هناك خطأ بل أخطاء متراكمة في السياسة الإقليمية الإيرانية، وفكرة التوسع المذهبي هذه مدمرة لإيران وشعبها، ويجب التخلي عنها والعيش بسلام والالتزام بمبدأ حسن الجوار ومن دون ذلك سيجد الملالي أنفسهم في دائرة تضيق رويدا رويدا، وتقترب بهم من مصير نظام صدام حسين، فلم يثبت التاريخ أن هناك نظاما قادرا على البقاء رغم عدائه لكل من حوله، ومن الصعب إنكار ما تفرزه العوامل والمعطيات الجيوسياسية والجيواستراتيجية إقليميا ودوليا، ومن الصعب الاستمرار وفق هذه اللغة المتغطرسة والاستعلاء القومي الفارسي المشين، الذي تعبر عنه نرجسية مفرطة للملالي؛ صغارهم وكبارهم على حد سواء.

 

كاتب من الإمارات

سالم الكتبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *