إستراتيجية حماية المدنيين تثير انقسامات في الموصل

 

 

بين ملازمة البيوت أو الفرار، يجد الأهالي المحاصرون أنفسهم بين أمرين أحلاهما مرّ، فإما ملازمة البيوت تحت القصف أو هروب غير آمن.

 

المدنيون في الموصل بين نارين

يبدو أن إستراتيجية القوات العراقية لحماية المدنيين خلال معركة الموصل عبر دعوتهم إلى البقاء في منازلهم كانت “ناجحة” إلى حد ما حتى الآن، بحسب قائد ميداني، إلا أن إعلان بدء عملية تحرير غرب المدينة زادت من مخاوف السكان.

 

ولم يصل عدد النازحين من الموصل منذ بدء الهجوم على المدينة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية منها إلى العدد الذي توقعته المنظمات الإنسانية.

 

وبلغ عدد الفارين من المعارك نحو 200 ألف مدني، بينما عاد 50 ألفا منهم إلى منازلهم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

 

وخلال الأيام الأولى من الهجوم على آخر أكبر معاقل المتطرفين في شمال البلاد في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016، ألقى الجيش العراقي منشورات تتضمن توجيهات سلامة إلى السكان تدعوهم إلى البقاء في المدينة.

 

وأدت تلك الخطوة إلى منع الطرفين من استخدام الأسلحة الثقيلة وتجنب وقوع دمار هائل كما حصل في الفلوجة والرمادي.

 

وقال الفريق عبدالوهاب الساعدي أحد قادة قوات مكافحة الإرهاب “نحن نعلم بأن تنظيم الدولة الإسلامية يستهدف المدنيين الذي يحاولون الهروب، ما يؤدي إلى سقوط العديد من الضحايا”.

 

وأضاف “بالطبع سيكون من الأسهل بالنسبة إلينا قصف الجهاديين بأسلحة ثقيلة إذا أفرغت المدينة من سكانها، لكن بما أن هدفنا الرئيسي هو الحفاظ على حياة المدنيين فنحن مقتنعون بأنهم سيكونون محميين بشكل أفضل إذا لزموا منازلهم ولم يحاولوا الفرار”، معتبرا أن هذه الإستراتيجية كانت “ناجحة”.

 

الهروب أم البقاء؟

 

وأشاد حازم غنام (58 عاما) وهو من السكان الذين لم يغادروا شرق الموصل خلال المعركة، بتلك الإستراتيجية، لكنه أعرب عن قلقه على شقيقه وابنتيه الذين يعيشون في الجانب الغربي.

 

وأشار إلى أنه ربما “من الأفضل البقاء في المنزل لأن الأشخاص الذين يحاولون الفرار قد يستهدفون بإطلاق النار”.

 

لكن طه أحمد (19 عاما) لا يوافق غنام الرأي، بل على العكس يدعو أولئك القادرين إلى مغادرة المدينة “إذا أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك”. وهذا ما فعله مع عائلته قبل شهرين.

 

ويقول الشاب صاحب العينين الزرقاوين في مخيم حسن شام للنازحين في شرق الموصل، إن الأمر حصل “عند الساعة الثانية فجرا. كان الدواعش يطلقون النار علينا، لكننا واصلنا الركض ثلاثة كيلومترات حتى أصبحنا في عهدة القوات العراقية”.

 

واستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر كي تستعيد قوات مكافحة الإرهاب العراقية الجزء الشرقي من المدينة بعد قتال عنيف، لكن المعركة الأصعب تكمن في الجزء الغربي من المدينة حيث الشوارع الضيقة وخصوصا في البلدة القديمة. كما أن الجهاديين متمركزون جيدا ويتطلعون إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية.

 

وتقول منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليز غراندي إن “المدنيين يهددهم خطر شديد ويمكن أن يتعرضوا لرصاص قناصة أو أن يصابوا في تبادل إطلاق نار أو عبوات ناسفة”.

 

وأضافت أنه منذ بداية الهجوم “كانت القوات العراقية قادرة على حماية مئات آلاف المدنيين”، مقدرة بـ550 ألفا عدد المدنيين الذين لزموا منازلهم.

 

ولا تتوافر أرقام رسمية حتى الآن عن عدد القتلى خلال الهجوم على شرق المدينة. ووحدها حكومة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي أشارت إلى 14 ألف جريح من مدنيين وعسكريين نقلوا إلى المستشفيات في أربيل منذ بدء العمليات في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

 

وبالنسبة إلى معركة غرب الموصل، أوضحت غراندي أنه “إذا لم يتمكن الجيش من حماية المدنيين، فسيتم وضع ترتيبات أخرى لمساعدة العائلات على عبور خط الجبهة”.

 

واعتبرت المتحدثة باسم منظمة هيومن رايتس ووتش في العراق بلقيس ويلي أن إستراتيجية الجيش العراقي “أثبتت فاعليتها” في شرق الموصل، لكن “إقامة ممرات آمنة للمدنيين” في غرب الموصل هو أمر “شبه مستحيل على القوات العراقية”.

 

وأشارت إلى أن تلك الإستراتيجية تهدف أيضا إلى تقليص عدد النازحين “لأسباب لوجستية وأمنية، لأن هناك شعورا عاما بأن كل شخص يهرب من الموصل هو إرهابي محتمل، يشكل خطرا أمنيا وعبئا على المجتمعات المحلية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *