مستشار خامنئي: لا للتدخل الأجنبي في العراق / حامد الكيلاني
لا مفاضلة بين سدنة المحاصصة وكتبة دستور المكونات، لا مفاضلة بين بندقية تقتل العراق من خارج الحدود، أو تطلق النار على العراق من داخل الحدود، أو تستعين بالغرباء للنيل منه.
علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام -النظام الإيراني طبعا- والذي كان وزيرا للخارجية، تتابعه الأرجنتين ودول أخرى لاتهامه بتمويل عدد من العمليات الإرهابية والإشراف عليها والتخطيط لها، أبرزها التفجير في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في العام 1994.
ولايتي مطلوب لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول، والسلطات العراقية بالرغم من تسلمها طلبا من وزارة العدل الأرجنتينية عن طريق أحد القضاة المكلف بملاحقتـه عند عبوره حـدود بلاده، إلا أنها لم تستجب ولم ترفض ولم تُحرج؛ لكن ولايتي كان سببا في إحـراج حكومتي ماليزيا وسنغافورة لزيارته لهما، وقد تلقت هاتان الحكـومتان أيضـا ذات الطلب بتسليمه كمتهم في مقتل العشرات في الحـادث الشهير مـن بين 4 مسؤولين إيـرانيين أحدهم الرئيس المتوفى مؤخرا هاشمي رفسنجاني، ومعهم قـائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
المستشار السياسي للمرشد الإيراني زار بغداد مع بدء انطلاق عمليات تحرير الموصل من إرهاب داعش، ولحضور ما يسمّى المؤتمر التاسع للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية الذي حضرته شخصيات تدور في فلك المشروع الإيراني وتروّج له، وفي هذا المؤتمر أطلق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة دعوته إلى الحشد الشعبي الطائفي لأداء مهماته دون توقف عند حدود العراق فقط، بل في سوريا واليمن وكل البلدان التي تحتاج إلى الخدمات الطائفية للحشد تطبيقا لشعار الحرس الثوري “نكون حيث يجب أن نكون”.
الحكومة العراقية كانت تستقبل ولايتي وترحب به دون إحراج، كما تفعل مع قائد فيلق القدس وكلاهما متهم بالإرهاب العالمي.
المستشار المطلوب للإنتربول كان سابقا يعبّر عن إعجابه بالديمقراطية في العراق -التي جاء بها الاحتلال الأميركي في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن العام 2003- وهو الذي قال إن المنطقة الخضراء خط ممنوع لا تسمح جمهوريته الإيرانية الإسلامية لأي فريق بتجاوزه؛ وكان يردد ذلك مرارا خلال سنوات الاحتلال، وخاصة كلما اهتزت صورة النظام السياسي وساد القلق على العملية السياسية التي تتصدرها سلطة طائفية ميليشياوية تقمع كل صوت مضاد يطالب بالعدالة الاجتماعية أو حتى بالخدمات وبقليل من الإصلاح.
يعود ولايتي هذه الأيام ليؤكد أن الديمقراطية في العراق مستهدفة أميركيا بمحاولة التقسيم وبمساعدة من الدول “الرجعية” في المحيط الإقليمي؛ أي أن إيران لديه هي مثال للديمقراطية وراعية لها في العراق والمنطقة، وبمعنى آخر يصنع من جمهورية الخرافات نموذجا تقدّميا.
الفكرة أن كل الطرق تؤدي إلى طاعة الولي الفقيه والامتثال لمنهجه؛ أن تُصَدِر الكلام وتسوقه بالفكر السياسي الحديث وتبادُل المهمات ضمن نطاق التقليد أيضا بما يحمل في طياته من مصالحة تقترب من النقائض وتعمل على طريقة العدوى وانتقال المرض من شخص سليم ومعافى في الظاهر، ويعمل كناقل نشيط في الباطن.
الميليشيات التابعة لإيران في نشاطها الطائفي المحموم على أرض العراق وسوريا واليمن ورغم درايتها بملاحقات المنظمات الدولية المعنية والإعلام لنشاطها مع سعي قادتها المعروفين لنفي أي تهمة توجه لهم؛ لكنهم أحيانا وبمحض إرادتهم يسرّبون مقاطع لأنشطتهم وانتهاكاتهم وتوجهاتهم لغرض نشر مقصود يتجاوز بأهدافه حجم الإدانات وفضح الخروقات وما يسببه من حرج للسلطة الحاكمة وهي منهم؛ لكنهم والحقيقة تقال يتوجهون إلى قطع الشك باليقين حول مشروعهم الطائفي، وهي حربهم الخاصة دون مجاملة أو تورية، وإلا كيف نفسر تواجدهم في الجانب الأيسر من الموصل والنهب والسلب وحرق البيوت والأحياء لأسباب الكراهية ودون دواع عسكرية تستوجب في حالات معيّنة مثل هذه التصرفات.
نموذج ولايتي نتناوله كرئيس لمركز الدراسات الاستراتيجية، ويمكن من خلاله تقييم انقلابات السياسة الإيرانية في الأداء، أو استشعار المخاطر النصية لتويتر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأصدائها في التوتر والحيطة والحذر واستغلال الشعارات العامة، وما يطلبه المستمعون من المقلدين الذين يعتبرون ميليشياتهم، وتحت كل العناوين الفرعية، حزبا واحدا هو حزب الولي الفقيه، ومن غير المقلدين باعتبارهم تحت راية جمهورية إيران الإسلامية العابرة للطائفية والمذهب، لأنها تؤدي وظيفة الدولة الروحانية الشاملة في عنوانها، وهو عنوان أقرب إلى المشروع الإمبراطوري الفارسي القديم.
آخر ما قاله علي أكبر ولايتي “إن تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي أمر لا يتماشى مع مصالح الشعب العراقي ويتعارض مع سياسات الحكومة العراقية”. هكذا رأي حتما يصدر من لسان آخر، لسان فرعي يرتبط بنوعية الوفد الزائر تحت خيمة أبناء الأمة الإسلامية؛ هي إيران تصلح لكل الأدوار والوجوه، تتلون، تتبدل، الثابت فيها هو المرشد، الولي، الفقيه، وكل ما عداه سياسة ونفاق مع الظروف.
اللسان الفرعي لولايتي يرفض نظام المحاصصة -وهو نظام فرضته المجموعة الإيرانية الولاء في المعارضة العراقية منذ مؤتمر لندن- ما الذي تغيّر وإيران هي القاسم المشترك في التثقيف والإعداد والوصايا والتوجهات من أجل عراق يحكمه العديد من الفاسدين من مقلديها، ومنقسم على نفسه، سياسيا ودينيا وقوميا، وينهض على دعامات من دستور المكونات.
إيران بطروحاتها تستعد لما بعد مرحلة داعش في العراق وتهيّئ للانتخابات القادمة بالحديث عن المخاطر المحتملة، وهي مخاطر صراع المكونات داخليا، وهي بالنسبة إلى إيران مخاطر التواجد الأميركي والحرب على الإرهاب والتصعيد بين الإدارة الأميركية برئاسة ترامب وإيران، بكل قناعات الفريق الأميركي بإيران كدولة إرهابية. قناعات قائمة على وقائع وتعايش مع صلف وغرور التمدد الإيراني في العراق والمنطقة.
الأولويات كانت لرفض محاصصة المكونات والغاية واضحة لعدم ضمان الولاء المطلق واحتمال تفـاوت النسب البرلمانية؛ لكن ولاء الأحزاب والميليشيات الطائفية مضمون للولي الفقيه، وهو ما حصل في الأعوام الماضية من 2003 وحتى الآن؛ لذلك تتجه المحاولات إلى فرض واقع جديد يحتال على المحاصصة بائتلافات جديدة لعناصر قديمة، منطلقين من نهاية فترة حكم تم فيها بالإرادة الإيرانية تسليم المحافظات المطلوبة لداعش إلى فترة حكم بماكياج الأغلبية السياسية، ولا بأس أن تجري التضحية بنسب الأرقام الطائفية لمكونها السابق لغاية تشبه بعثرة العناصر الرياضية في الجدول ذاته، ليعاد تجميعها بعد ظهور النتائج الانتخابية.
استمرار عشاق العراق، من أمثال ولايتي وخامنئي، في مطالبتهم الدول الأخرى بعدم التدخل في الشأن العراقي وترك العراقيين ليقرروا مصيرهم وحياتهم المشتركة ورهن أمن العراق بانسحاب المحتلين، فضيحة بكل المقاييس.
هذه المفاهيم لدولة الإرهاب الإيراني خاصة بعد تولي الرئيس ترامب لمنصبه؛ فكيف نتعامل مع احتلال حزب الدعوة للعراق والأحزاب والكتل الأخرى والشخصيات المحتلة أيضا؟ كيف ينجو العراق من بقية حياة المحتلين ومشاريعهم؟ إيران كيف ستلُم من العراق وسوريا واليمن ضمـائرها المستترة بالقتلة والسفاحين ودعاة الثأر والفرهود والتعفيش والأفعال المشينة الخارجة تماما على نصوص الإنسانية؟
لا مفاضلة بين خائن وآخر، لا مفاضلة بين إرهابي وآخر، لا مفاضلة بين سدنة المحاصصة وكتبة دستور المكونات، لا مفاضلة بين بندقية تقتل العراق من خارج الحدود، أو تطلق النار على العراق من داخل الحدود، أو تستعين بالغرباء للنيل منه؛ إيران الملالي ربما تشرب السم وتتجرعه من داخلها وثورة شعوبها المضطهدة لتتهاوى من بعدها عروش الطغاة وميليشياتهم.
أميركا بإدارة ترامب تبدو كالمضاد الحيوي في جسد الاحتلال، يحمل ذات مواد إنتاجه لكن بقوة وتفاعل مختلفين يقضيان على الناتج القديم. أميركا تعد العدة لترميم خرابها وترميم القواعد الجوية أيضا وتزيد تدريجيا العديد من قواتها؛ وثمة العديد من المطلوبين على قائمة الإرهاب والرواية لم تكتمل إلا بحجر ناقلي المرض.
كاتب عراقي
حامد الكيلاني