الذي قتل السفير الروسي هو الذي قتل حلب أسعد البصري

 

إن الذي قتل السفير الروسي هو الذي قتل حلب؛ تلك السياسة التحريضية وأطماع الإخوان المسلمين، فماذا تنتظر من الشباب إذا كان الإعلام الرسمي يقول له روسيا تدفن أطفال حلب تحت الأنقاض.

الفتى الذي قتل السفير الروسي من مواليد 1994، لا فائدة من مراجعة التراث الفقهي والعقلي بعد فعلته، الموضوع مجرد عاطفة بسبب الحملة الإعلامية المبالغ فيها حول حلب. صحيح أن رجب طيب أردوغان ورّط السوريين، غير أن الشاب لا يرى سوى الأطفال تحت الأنقاض، والطائرات القاصفة روسية.

 

الشيعة، من جهتهم، يبالغون في ربط كل شيء بالإسلام السني. فلو كانت روسيا قد هدمت كربلاء بالطائرات، وتقدم فتى من شيراز وقتل السفير الروسي في طهران وهو يردد “يا حسين” ما هو شعور الشيعة عندها؟ ألن يقولوا بأنه مجرّد ولد طائش وإنها جريمة عاطفية عادية.

 

الإعلام التركي شريك في الجريمة فهو الذي بيّن للشباب بأن روسيا ترتكب جريمة في سوريا، وحشد المشاعر ضد دولة هي حليفة لها. فظهر شاب يردد أهزوجة الأنصار “نحن الذين بايعوا محمدا/ على الجهاد ما حيينا أبدا”، بينما سفير دولة عظمى ممدد على الأرض. مشهد مشحون ومأساوي.

 

كل شيء نفهمه في السياسة إلّا شيء واحد، حين تنزل روسيا بجيشها إلى سوريا ونحن نسلح الشعب كي يقاتل، هل حقا نقاتل روسيا؟ كيف؟ ألسنا مقتنعين بالسلام مع إسرائيل بسبب قوتها؟ فكيف نهزم دولة أقوى من إسرائيل بالعشرات من المرات؟ ما هي الضرورة؟ إسقاط حاكم؟ لا داعي لذلك إذا كانت النتيجة مجرّد انتحار. حسب فهمي المتواضع المفروض نتوقف وننصح المسلحين بعدم تعريض حياة الأبرياء للخطر. لعام كامل أصرّت قطر وتركيا على الصمود، فكم عائلة أبيدت حتى عقد أردوغان صفقته مع روسيا؟

 

أردوغان يبشر السوريين ببناء مخيّم جديد لهم. يحرضهم على هدم بيوتهم وخراب بلادهم، ويقدّم لهم خيمة بدلا من بيت العائلة وحديقة الياسمين. مخيمات يهدّد بها أوروبا ويبتز المال ويرفع التأشيرة عن الجواز التركي وعضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي.عنصر أمن تركي يقتل السفير الروسي لا شك بعدها أن بعض العرب سيوقفون الشحن وحملتهم الإعلامية. التعاطف مع حلب أوصل جبهة النصرة وبقية الفصائل إلى الهتاف باسم الدواعش؟ الإرهابيون أصبحوا مصدر إلهام للتمرد على القانون.

 

حين خصص الخليفة البغدادي جزءا من كلمته للتحريض على تركيا كنّا نضحك، تماما كما نضحك حين حرض العدناني القتيل على أميركا، وفي النهاية حدثت عملية إرهابية لا مثيل لها في فلوريدا، هزت الولايات المتحدة هزا. رجل بمفرده يقتحم ملهى للمثليين ويقتل ببندقيته أكثر من خمسين شخصا.

 

التحريض المبالغ فيه إعلاميا أين سيقودنا؟ ماذا لو انشقت فرق عسكرية؟ ماذا لو انشق طيار تركي وقصف قاعدة روسية؟ ماذا لو بايع جنرالات مسلمون البغدادي؟ ماذا ستفعل تركيا الآن؟ تقاتل الأكراد؟ تقاتل المتطرفين؟ تقاتل الانقلابيين الأتاتوركيين؟ وهو أمر ينطبق على بعض العرب أيضا؟

 

بتاريخ 11 ديسمبر تمّ تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن التفجير الانتحاري الذي حصد 25 قتيلا مصريا وعددا كبيرا من الجرحى، وفي الأحد الذي تلاه 3 هجمات متزامنة قام بها مسلحون في مدينة الكرك الأردنية عند الحدود السعودية، ضد عدد من دوريات ومراكز الأمن والسياح وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها أيضا.

 

وفي نفس اليوم اغتيال السفير الروسي في تركيا على يد عنصر أمني تركي، سمعنا عن إرهابي يقود شاحنة بلوحة أرقام بولنوية ويدهس الناس في برلين التي استقبلت 900 ألف لاجئ مسلم من الجحيم. إنها لا شك قيامة من نوع خاص. لا نستطيع تجاهل كل ما يجري من حولنا وعدم ربط الأحداث.

 

السنة تمّ ضربهم عقليا في الصميم، من جهة صاروا يقولون نحن ندافع عن العقيدة الصحيحة؛ التوحيد ورسالة محمد فظهر داعش كنموذج أقصى لهذه الرسالة؛ أناشيد وانتحار وإيمان، فقالوا هذا إرهاب. ثم قالوا نحن ندافع عن الإسلام السني المعتدل وهو يقاتل في سوريا، فباعتهم تركيا وقطر لروسيا مقابل صفقة، فقالوا هؤلاء غادرون. ثم قالوا نحن علمانيون ليبراليون، فقال لهم الشيعة أهلا وسهلا نحن نرحب بالليبراليين، فنصف الشيعة علمانيون وليس عندنا تكفير. هنا اكتشفوا بأنهم أمام فلاسفة ماكرين، وهذا ما حدث بعد سقوط حلب، سقط دماغهم واحترق، لهذا يكتبون المراثي، فهذا رثاء لمحنتهم، لا للمدينة التي زجّوا بها في معركة خاسرة.

 

300 ألف مواطن قطري جمعوا 70 مليون دولار تبرعات في اليوم الوطني لشعب نزف منه 300 ألف قتيل؛ أهل الخير جزاهم الله خيرا، بينما هاري كاكافاس رجل عقارات أسترالي خسر مليارا ونصف مليار دولار في سنة واحدة في القمار. عام 2006 خسر الرجل 160 مليون دولار في أقل من ست ساعات، وفي نفس السنة 2006 حصل حزب الله على مليار دولار من قطر، ليست تبرعات وإحسانا، بل منحة حكومية.

 

يشترون للسوريين سلاحا من أوروبا الشرقية بمئات الملايين من الدولارات لقتل الجندي السوري، وحين يصل الأمر إلى الفقراء يجمعون الحسنات.

 

الذي يحدث حين تتدخل الدول المجاورة يصبح التنافس السياسي على حساب البلاد، فالسني يريد أن يثبت للعرب بأنه أكثر شخص يكره إيران والشيعة، والشيعي يريد أن يثبت لإيران بأنه أكثر شخص يكره السنة والعرب، وهذا التنافس لأجل النفوذ أو الدعم المالي ينتهي إلى مذابح يذهب ضحيتها الفقراء والأطفال.

 

التاريخ حافل بهذه الجرائم المشابهة لحادث اغتيال السفير الروسي، ولكن علينا أن نتساءل مَن الذي قتل السفير الروسي؟ أليس الإعلام الذي أقنع الناس بأن روسيا تمارس القتل في حلب، بينما الولايات المتحدة تلقي الورود على الموصل. هذا التناقض يجب أن يتوقف. علينا أن نعترف بأن العدو الأول هو الإسلام السياسي الإرهابي.

 

ميليشيات مجرمة ولا شك تقاتل بسوريا ولكن من أرسلها؟ حكومة العراق وإيران. ومن استقبلها؟ حكومة سوريا.

 

عندهم راتب وتقاعد ودولة تأمرهم وهي مسؤولة عنهم، حتى الأفغاني المرتزق في سوريا تجد أن إيران تعطيه إقامة وتأمينا صحيا وتعليما لعائلته، وبعد سنتين تعطيه الجنسية الإيرانية. بينما السني في العراق وسوريا حين يتمرّد فأي دولة تعترف به وتستقبله وتتحمل مسؤوليته؟

 

الدول العربية الحكيمة قالت عندنا خلاف كبير مع المشروع الإيراني إلا أنه خلاف بين دول، بينما العدو الأول هو الإرهاب. التطرف يعتمد فلسفة عجيبة فهو يقول لك: التجارة مع الله هي التجارة الرابحة، والله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وبعدها يدخل إلى الجهاد في سبيل الله. تجارة دم وغش واحتيال. يريدون خوض معارك بميزانية حربية اسمها “الجنة”.

 

إن الذي قتل السفير الروسي هو الذي قتل حلب؛ تلك السياسة التحريضية وأطماع الإخوان المسلمين، فماذا تنتظر من الشباب إذا كان الإعلام الرسمي يقول له روسيا تدفن أطفال حلب تحت الأنقاض؟ ماذا تنتظر منهم إذا كان أردوغان يصف المسلحين السوريين بالثوار المؤمنين؟ ماذا ننتظر من الشاب المسلم إذا أقنعناه بأن أندريه كاربوف هو سفير الدولة المجرمة التي ذبحت مدينة حلب؟ وأن مصر حليفة الصليبيين؟ وأن الأردن حليف للصهاينة والإنكليز؟ نحن نسلح ونحرض لأجل شيء غير مفهوم، فما هو الهدف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *