هل يكره العراقي أطفاله كافي علي

 

في العراق اليوم جيل من الشباب مبرمج عقليا وعاطفيا على التبعية الطائفية وتنفيذ المهمات المقدسة. ميليشيات شيعية تابعة للمشروع الإيراني تقاتل وتثأر للحسين.

ماذا يمكن أن نقول عن شعب يختار قتلة أطفاله بحرية وديمقراطية، غير أنه شعب يكره أطفاله ويريد التخلّص منهم؟ أليس هذا ما يفعله العراقي عندما ينتخب سياسيين يعملون في خدمة الأحزاب الهجينة ومشاريعها الإسلامية المخضبة بالدماء؟

 

حاليا في العراق، هناك حوالي 800.000 طفل يتيم، ومليون مهجّر، والآلاف من الذين تستغلهم مؤسسات الإرهاب الطائفي وأسيادها في حروب ينفخ عليها الزمن لتشتعل وتتوسع لا لتنحسر وتخمد.

 

في كتابه “الاتفاقيات الأربعة”، يرى الكاتب دون ميغيل رويز أن الأطفال يولدون محبين للحياة، مرحين وحقيقيين، لكن ما يعلّمه لهم الأهل يتحول مبدئيا إلى معايير لسلوكاتهم خوفا من العقاب ورغبة في الثواب، ثم يتبلور كخصائص جوهرية لشخصياتهم. أطلق الكاتب على التداخل بين التكوين الطبيعي للطفل ومعتقدات الآخرين مصطلح الترويض أو التأهيل، فالإنسان لا يختار معتقداته بنفسه، بل يُجبر اجتماعيا على الاقتناع بها لتكون جزءا لا يتجزأ من هويته.

 

أدرك الغرب أبعاد العلاقة المعرفية بين الطفل والمجتمع، فتدخل وأوجد قوانين لضمان سلامة الطفل وحريته في اختيار معتقداته، دون تأثير قسري من الأهل أو المؤسسات المعنية بنشأته وتنمية قدراته.

 

الأسرة في الغرب عقد شراكة بين ثلاثة أطراف أو طرفين في حالة غياب الأم أو الأب. الحكومة، كطرف مسؤول عن إدارة المجتمع وحمايته، تساهم في تربية الطفل من خلال راتب شهري له يتناسب مع الحالة المعيشية لوالديه، وتنظم العلاقة بينه وبين الأهل من خلال متابعة تطبيق القوانين التي تتعلق بحقوقه. قد تبدو نتيجة العلاقة بين الدولة والأهل في تربية الطفل محاولة لفصل الطفل عن والديه، الحقيقة أن هذا غير صحيح لأن حاجة الطفل الغريزية للحب والعاطفة الأسرية جانب مهم تعجز الدولة عن توفيره. حتى الأطفال الذين تفصلهم القوانين عن ذويهم في حالة الاعتداء عليهم أو فقدان الأهل للمؤهلات اللازمة لسلامتهم، تظل معاناة الصدمات النفسية ترافقهم في حياتهم. الجدير بالذكر أن حالات فصل الأطفال عن ذويهم ومنحهم لعوائل بديلة تعد من الظواهر المنتشرة بين الأسر العربية بسبب التصادم بين ثقافة وقوانين المجتمع الغربي، ومبادئ ومسلمات الأهل في تربية الطفل.

 

وفق الممارسة الديمقراطية وحرية الفرد المكفولة قانونيا، وإن كان طفلا، تمكن الغرب من إنتاج ثلاثة أجيال، انتقلت بالمجتمعات من خراب الحرب العالمية وما تبعها من أزمات، إلى التطور وتحقيق العدالة الاجتماعية. ماذا أنتجت الديمقراطية العراقية للأطفال؟ ماذا قدم الأهل لأطفالهم في ديمقراطية منحتهم حق اختيار الحكومات التي تدير شؤون المجتمع وتحافظ على أمنهم وسلامتهم؟

 

بعد الاحتلال الأميركي وغياب الدولة دخلت المؤسسات الدينية بيوت العراقيين كطرف مستثمر، يشرف على تربية الطفل تربية عقائدية متطرفة. استغلت تلك المؤسسات مخلفات الحروب، لتفرض وصايتها على الطفل وتروضه وفق منهج طائفي مدروس لإنتاج جيل يخدم المشاريع التي تمثلها. تحرك رجال الدين في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية واستغلوا فقر الوعي وضعف الحال فيها لسرقة عقول أطفالها. دخل أفرادها البيوت بذريعة المساعدة والصدقات وحصلوا على ثقة الأهل، تلاعبوا بالأسرة وغيروا انتماءها الاجتماعي لصالح مشاريعهم العقائدية. غسيل أدمغة مارسته المؤسسة الدينية لعقد ونيف حتى خلقت جيلا مشبعا بالكراهية والرغبة في الانتقام من الآخر.

 

في عراق اليوم جيل من الشباب مبرمج عقليا وعاطفيا على التبعية الطائفية وتنفيذ المهمات المقدسة. ميليشيات شيعية تابعة للمشروع الإيراني تقاتل وتثأر للحسين، ومجاميع إرهابية سنية تابعة للقاعدة وداعش تقتل كل منْ يخالفها في الدين والعقيدة.

 

في النهاية لا نعلم هل هناك أمل في دولة عراقية تحرص على الطفل وتخلصه من أم تسلم طفلها إلى معمم يفلق رأسه بآلة حادة باسم عذابات الحسين، أو أب يخاطر بحياة طفله وينقل الرمانات اليدوية في حفاظاته إلى منْ يسميهم المجاهدين؟

 

كاتبة عراقية

كافي علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *