ملالي إيران ودروسهم المغلوطة / سالم الكتبي  

 

إشكالية الملالي مع القيم الإنسانية أعمق من نزعات ترامب الشعوبية، فهو يتمترس خلف حدود بلاده، أما الملالي فهم يعملون على إعادة هندسة الديموغرافيا والهويات الوطنية للدول خارج بلادهم.

 

تابعت خلال الفترة الماضية تصريحات القادة والمسؤولين الإيرانيين بشأن الرد على مواقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولفت انتباهي من بين هذه التصريحات ما ورد على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي اعتبر أن ترامب “حديث عهد بالسياسة”، وأن “أجواء السياسة جديدة بالنسبة إليه”، وأن أمامه بعض الوقت كي يدرك هو ومن حوله ما يتعين عليهم فعله، وهذا الأمر سيستغرق وقتا في نظر روحاني.

 

لا يهمني، ككاتب، إن كان الملالي يسبون ترامب أو العكس، ولكن ما يهمني هو المدركات والتصورات المتبادلة لدى الطرفين، كي نفهم ما يدور من حولنا، وهنا أشير إلى أن فهم الملالي لترامب، بحسب ما استنتجت من مجمل تصريحاتهم، أنه “تاجر” أو رجل أعمال قادم من عالم البزنس والصفقات التجارية، وهذا صحيح وأنا أفهم ذلك جيدا بل ذكرت في مقالاتي السابقة جميعها أن الرجل يتحدث بلغة الصفقات التجارية، ولكن ما رأيت أنه غباء سياسي هو أن الملالي يعتقدون أن ترامب لا يفهم في السياسة وأن أمامه الكثير من أجل فهم ديناميات العلاقات الدولية، وهذا نوع من الغباء أو أنه ادعاء للغباء بهدف استدراج الإدارة الأميركية الجديدة لصدام عسكري مع إيران، ولا أرجح شخصياً أن الملالي جاهزون لمثل هذا الصدام، بل أكاد أجزم أنهم غير قادرين عليه رغم ثقتي بأنهم لا يعبأون بتكلفة مثل هذا الصدام على الشعب الإيراني، فهم لا يدركون على سبيل المثال أن نظامهم قد يكون الهدف المباشر لأي تحرك عسكري أميركي محتمل، ولكن يكون الأمر كما كان عليه الحال في تدخلات عسكرية أميركية سابقة في المنطقة وغيرها.

 

الملالي يراهنون على الحس التجاري والميل لعقد الصفقات لدى ترامب، وهذا وارد والكثيرون في العالم يراهنون عليه، ولكن الفكرة القائلة بأن القادم الجديد للبيت البيض لا يفهم في السياسة هو أمر غارق في الغباء، لأن من يتولى رئاسة دولة بحجم الولايات المتحدة ويخوض معركة انتخابية شرسة كالتي خاضها هذا الرجل، وانتصر فيها على مرشحة ديمقراطية متمرسة في السياسة يساندها الإعلام والنخب الأميركية، لا بد وأن يكون لاعباً سياسياً محترفاً، ولا أقول ماهراً، فهذه بخلاف تلك.

 

في السياسة كما في كرة القدم، مدارس وطرق مختلفة، ووجود رئيس أميركي من دون خلفية سياسية ليست سابقة في التاريخ الأميركي، فهناك ممثلون ورجال أعمال وصلوا إلى البيت الأبيض عبر صناديق الاقتراع، وهذه مسألة ليست عابرة بالمرة، وما يؤكد لي أن رؤية الملالي للإدارة الأميركية الجديدة تعاني قصوراً شديداً أنهم لا يكتفون باعتبار ترامب نفسه تاجراً مبتدئاً في السياسة، بل يرون أن أركان إدارته على شاكلته، وهذا الأمر لفت انتباهي بحد ذاته من زاويتين؛ أولهما أن عالم السياسة لم يعد منفصلاً عن عالم البزنس وأن الاقتصاد السياسي هو المحرك الأول للعلاقات الدولية، فالنظام العالمي القائم ذاته قائم على هذا الأساس منذ اتفاقية “بريتون وودز” بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور نظام نقدي عالمي لا تزال الكثير من معالمه هي الأساس في العلاقات الدولية والتبادلات التجارية حتى الآن.

 

أما الزاوية الثانية في حديث الملالي أنهم ينتقدون وجود رئيس أميركي ذي خلفية تجارية على رأس دولة، ولا يرون إشكالية في وجود “عمامة” بدرجاتها الدينية المختلفة المعتمدة من قم وتوفر للملالي ألقابا مثل “حجة الله” و”آية الله” و”آية الله العظمى” وغيرها، وتتركز خلفياته في العلوم الفقهية والنظريات الطائفية ليس فقط على رأس دولة مثل إيران، ولكن على كل كرسي من كراسي مؤسساتها السياسية، بل والعلمية مثل الجامعات والأكاديميات وغيرها.

 

هذه الأفكار المغلوطة تبدو غريبة، وهي ذاتها الأفكار التي تسيطر على جماعات وتنظيمات الإرهاب السنية، فنجد شاباً غريب الأطوار لم يقرأ في حياته سوى بعض الكتب القديمة، وقد سيطرت عليه نزعات القيادة وارتفعت لديه “الأنا”، وتوهم أنه قائد يضاهي قادة الإسلام العظام، وأن ينشئ تنظيماً يدمر به مقدرات ومصالح شعوب إسلامية بأكملها بسبب مثل هذا الغباء المسيطر على النفوس.

 

المثير للسخرية في تصريحات روحاني أنه ارتدى ثوب المعلم ليذكر الرئيس الأميركي بأن عالم اليوم هو عالم اتصالات وتبادل أفكار، وأن عهد بناء الأسوار قد ولى وذهب، وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه، ولكن الإشكالية تكمن في من يقوله. فالكلام مثلما ينطبق على ترامب ينطبق أيضا على الملالي، ويفترض أنهم أولى به قبل أن يعلموا به الآخرين، فأين علاقاتهم واتصالاتهم الإيجابية مع دول جوارهم حتى نقول أنهم يؤمنون بالحوار والتعاون الدولي. فهم لا يُصدّرون لجيرانهم سوى ميليشيات الحشد الشيعي الطائفي البغيض، ولا أحد يسمع منهم سوى صيحات التهديد والوعيد بالاستيلاء على العواصم واجتياح المدن العربية. ولا أحد يسمع عن تجارتهم سوى الأسلحة وتصدير الإرهابيين في منطقة واسعة تشمل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها.

 

ألا يبدو الملا حسن روحاني هنا كمن قال المولى عز وجل فيهم أنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم؟ أيعقل أن دولة تزعم الدفاع عن الإسلام تقوم بكل هذا التطهير العرقي على أساس ديني في مناطق معروفة وعلى رؤوس الأشهاد في مدن سوريا والعراق؟ إشكالية الملالي مع الحضارة والقيم الإنسانية أعمق بكثير من نزعات ترامب الشعوبية، فهو في الأخير يتمترس خلف حدود بلاده، ويريد أن يمنع الآخرين من دخولها، وهذه معركته مع شعبه ودولته التي قامت على أساس فلسفي وفكري معلوم، والقيم هي أغلى ما تصدره للعالم والإنسانية، أما الملالي فهم يعملون على إعادة هندسة الديموغرافيا والهويات الوطنية للدول خارج بلادهم. هم يريدون التحكم في شعوب العراق وسوريا واليمن، وليتهم اقتصروا على الشعب الإيراني وحدود بلادهم ومنعوا العالم كله من دخولها لكان أمرهم أهون، بل كان العالم سيرحب بذلك ويكفيه أنهم سيكفون الجميع شرورهم.

 

كاتب إماراتي

سالم الكتبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *