كيف لنا بقضاء كهذا؟ / عدنان حسين
هذا هو القضاء الذي إليه تطمئنّ النفوس وتركن الأفئدة وترتاح الأرواح، فينام الناس في ظله بأمان وراحة بال، لا يخشون من سلطة غاشمة تستبدّ بحقوقهم وتنتهك حرياتهم العامة والشخصية.
هذا هو القضاء الذي يتحقق به وتحت سلطانه مبدأ “العدل أساس الملك”، فلا يشتكي الناس معه من جور أو ظلم أو بهتان، فتتعزّز روح المواطنة ويترسّخ السلم الأهلي.
عن القضاء في النظام الديمقراطي أكتب، ومثاله الساطع هذه الأيام القضاء الأميركي، فللمرة الثانية في غضون أيام قلائل يقف هذا القضاء سدّاً منيعاً في وجه الطاغوت، منتصراً لأحكام الدستور ولحقوق الإنسان، حتى لو كان هذا الإنسان أجنبياً.
في 27 الشهر الماضي أصدر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، مجتاح البيت الأبيض والحياة الأميركية العامة مثل بلدوز يدخل الخدمة لأول مرة، قراراً تنفيذياً فوري التطبيق بتعليق برنامج قبول اللاجئين، وبعدم السماح بدخول الزائرين القادمين من سبع دول عربية وإسلامية، بينها العراق. في الحال ردّت قاضية أميركية بقرار مضاد أبطل مؤقتاً مفعول القرار الرئاسي. القاضية آن دونلي قررت أنه ليس مسموحاً للسلطات الأميركية بترحيل اللاجئين الذين قُبلت طلباتهم والزائرين ممّنْ لديهم تأشيرات دخول سليمة وحصلوا على تصاريح قانونية بدخول الولايات المتحدة.
وجاء قرار القاضية دونلي تلبيةً لطلب تقدّم به الاتحاد الأميركي للحريات المدنية يطعن فيه بقانونية القرار الرئاسي..
الرئيس ترمب اختار أن يسخر من قرار القاضية دونلي وأن يستأنفه، لكن السلطة القضائية ما لبثت أن أثبتت أن يد العدل والقانون فوق الجميع، حتى لو كان بينهم رئيس أرعن لا يريد أن يبالي بالقانون وأن يذعن له، فتقدّمت إدارة ترمب باستئناف أمام محكمة الاستثناف لإبطال مفعول قرار القاضية دونلي، لكن المحكمة التي مقرها في سياتل رفضت الاستئناف، مستندة الى عدم دستورية قرار ترمب والى ما أعلنه النائب العام في ولاية واشنطن بوب فيرغسون بأن القرار الرئاسي قد يتسبب في “أضرار لا يمكن إصلاحها”، فأصبح قرار ترمب وكأنه لم يكن، وتوقفت إدارة الجمارك والحدود الاميركية عن منع دخول المعنيين بالقرار الرئاسي، واستأنفت شركات الخطوط الجوية نقلهم الى المطارات الاميركية في شتى الولايات، وعلّق فيرغسون على هذه النتيجة بالقول: “لقد انتصر الدستور اليوم، لا أحد فوق القانون، ولا حتى الرئيس”، فيما قال حاكم ولاية واشنطن “هذا انتصار هائل لولاية واشنطن. يجب أن نشعر بالتفاؤل بسبب الفوز المتحقق اليوم ونكون أكثر إدراكاً من أي وقت مضى إننا نقاتل على الجانب الصحيح من التاريخ”.
نحن، هنا في العراق، أحوج ما نكون الآن إلى قضاء كهذا، بل إلى نصف قضاء كهذا، لا يخشى أهل السلطة والنفوذ والمال، ولا يحابي الفاسدين، فهذه البلاد لم تعرف الاستقرار والأمن والسلم الأهلي ولا احترام الحقوق وصون الحريات منذ عشرات السنين، بما فيها السنين العشر الأخيرة التي كان من المفترض أن تترسخ فيها وتزدهر تجربة ديمقراطية منتظرة منذ دهور، ولن يكون الاستقرار والأمن والسلم ولا احترام الحقوق وصون الحريات من دون قضاء عادل ونزيه.. وقوي يقاتل على الجانب الصحيح من التاريخ.