العراق: شروط قاسية للاقتراض / عدنان كريمة
يحاول العراق إعادة الثقة باقتصاده ووضعه المالي، بدعم من الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد، تمهيداً لتسهيل دخوله الأسواق المالية الخارجية والاقتراض منها بموجب طرح سندات دولية بفوائد مقبولة لتغطية العجز المتراكم في موازناته السنوية.
حكومة الولايات المتحدة وقعت مع حكومة العراق في الخامس من الشهر الجاري، اتفاقاً تحصل بغداد بموجبه على قرض قيمته بليون دولار بضمان أميركي وفائدة مخفضة. وسيسهل هذا القرض «المضمون أميركياً»، أن يطرح العراق سندات عالمية بنحو بليون دولار أيضاً من دون ضمانة الحكومة الأميركية، وبفائدة مخفضة تتجاوز الأخطار الأمنية والسياسية وتداعياتها المالية والاقتصادية والاجتماعية، والتي أدت الى خفض تصنيفه الائتماني الى درجة «سالب» من جانب وكالات دولية.
مجموعة البنك الدولي بدورها، أقرت حزمة تمويل جديدة بنحو 1,5 بليون دولار لدعم الإصلاحات التي ينفذها العراق، لتحسين تقديم الخدمات العامة وتعزيز الشفافية ونمو القطاع الخاص، وبذلك ترتفع محفظة استثمارات البنك في العراق الى نحو 3,4 بليون دولار لدعم جهود إعادة إعمار المناطق التي حررتها القوات العراقية وتأهيلها.
أما صندوق النقد، فسبق أن وافق العام الماضي على منح العراق قرضاً قيمته 5,34 بليون دولار، لتنفيذ سياسات اقتصادية ومالية تساعده على مواجهة انخفاض أسعار النفط وأعباء الحرب ضد تنظيم «داعش». وقد تسلمت بغداد دفعتين بما يزيد على بليون دولار، من أصل 13 دفعة، على أن تتسلم الدفعات التالية عند استحقاقها خلال سنتين. ولوحظ في هذا المجال أن خبراء الصندوق فوجئوا بضخامة الأزمة المالية التي يعانيها العراق وخطورة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية في ظل استمرار الفساد السياسي الذى تسبب بهدر نحو تريليون دولار خلال عقد ونيف، خصوصاً في عهد رئيس الوزراء السابق نورى المالكي (2004 – 2014)، وتبين للصندوق أن ثمة أربعة أشخاص فقراء بين كل عشرة نازحين، وأن حصة الفرد من الناتج الإجمالي انخفضت من سبعة آلاف دولار سنوياً الى أربعة، وأن نسبة البطالة تفاقمت الى أكثر من 25 في المئة. ولم يصدق هؤلاء الخبراء خطورة تحول العراق تدريجاً الى بلد يزداد فيه الفقراء الذين بلغ عددهم سبعة بلايين شخص أو 23 في المئة من السكان، وهي نسبة مرتفعة جداً لبلد «غني» وصف بأنه «مارد نفطي»، كونه يحتل المرتبة الخامسة عالمياً لجهة احتياطاته النفطية المقدرة بنحو 140 بليون برميل، وثاني أكبر منتج في «اوبك» بعد السعودية، وقد وصل إنتاجه الى نحو أربعة ملايين برميل يومياً، ويتطلع نحو مضاعفته الى ثمانية ملايين بين عامي 2020 و2030.
وبما أن العراق يواجه أخطاراً على مستوى الأمن والمؤسسات هي الأعلى بين كل الدول السيادية، وكنتيجة طبيعية لتدهور وضعه المالي، تراجع تصنيفه الائتماني الى درجة «سالب»، الذي أفقده «ثقة دولية» أدت الى فشل محاولات كثيرة منه للاقتراض بسندات يطرحها في الأسواق العالمية، بسبب كلفتها المرتفعة والتي بلغت نحو 11 في المئة. ويذكر أن بلداً كلبنان تصنفه الوكالات الدولية بدرجة العراق ذاتها، لكنه نجح في إصدار سندات «يوروبوند» بـ3,6 بليون دولار بفائدة 6,2 في المئة وتستحق عام 2030.
ولذلك فرض صندوق النقد الدولي شروطاً قاسية، وافقت عليها حكومة بغداد، وهي تلزم العراق بإصدار قانون للإدارة المالية، وإدخال هيئة النزاهة كطرف فاعل في المتابعة المستقلة للإنفاق، واعتماد وثيقة الأمم المتحدة بمكافحة الفساد، وتعديل قانون المصرف المركزي، خصوصاً لجهة طرح الدولار عبر المصارف ومنع تهريب العملة الأجنبية، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتقييد وزارة المال بأسس جديدة، وإخضاع الديون الخارجية والداخلية للتدقيق، وخفض النفقات في موازنة الدولة.
وفيما تجرى محاولات سياسية للمصادقة البرلمانية على الحسابات الختامية لموازنات السنوات الماضية، والسكوت عن مئات بلايين الدولارات المهدورة والتي استفاد منها عدد من كبار السياسيين، تشير بغداد بصراحة كاملة الى اتهام عدد من النواب الذين يتعاملون مع مصارف تجارية بالقيام بعمليات غسل أموال وتهريبها الى دول مجاورة. وفي غياب الشفافية، تقع المسؤولية على عاتق الحكومة العراقية لمعرفة المستفيد من هذه الأموال وتحديد الدول المشاركة، مع العلم أن مصادر سياسية تميل نحو ايران. ويتهم البنك المركزي العراقي بالتساهل مع تهريب بلايين الدولارات، عبر صفقات مالية مشبوهة تشتري العملة الصعبة من المزاد اليومي الذى يديره البنك، وهي تأتي في إطار غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد اضطرت حكومة بغداد تحت ضغوط شديدة من حكومة الولايات المتحدة الاميركية والمؤسسات المالية الدولية، الى التشدد في تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب الذي صدر عام 2015، وأكدت إدارة «المركزي» التزام المؤسسات المصرفية بالقوانين الخاصة بذلك. والملفت أن دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة، وقعت مذكرة مع مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي، لاسترداد الأموال المهربة من الجهات الخارجية، فهل تستطيع ذلك؟