هل ينجح العبادي في دحر المالكي المتربص به؟

هارون محمد

تتزايد ضغوط المالكي على العبادي في هذه المرحلة التي شهدت نجاح الجيش في تحرير الساحل الأيسر من الموصل وطرد مسلحي داعش منه، والاستعداد لشن هجمات على جانب المدينة الأيمن لتطهيره، وهذه النجاحات تضايق المالكي.

 

ليس دفاعا عن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي فرط في فرص عديدة لمغادرة حزب الدعوة، ولم يستثمر تداعيات إخفاق نوري المالكي في نيل الولاية الثالثة لإبعاده عن صدارة الحزب، كما فعل الأخير مع إبراهيم الجعفري في عام 2007، ولكن من الضروري تسليط الأضواء على بعض خطط “مختار العصر”، التي تصاعدت في الفترة الأخيرة، للعودة إلى الحكم من جديد، وفضح الوسائل والأساليب التي يتوهم أنها ستقوده إلى تنفيذ مآربه وتحقيق أهدافه.

 

وصحيح أن دور المالكي السياسي انحسر شيعيا ومحليا، منذ تولي العبادي رئاسة الحكومة الحالية في منتصف سبتمبر 2014، إلا أنه ما زال يعتقد أن كثرة المال الذي بحوزته، ووقوف إيران إلى جانبه، قادران على تذليل الطريق لعودته إلى رئاسة الوزارة مجددا، سواء تحت شعار “الأغلبية السياسية” التي بح صوته في الدعوة إليه دون أن يتجاوب معه أحد من غير أتباعه، أو عبر شن حملات تسقيط سياسي واسعة، تستهدف العبادي شخصيا، آخرها تحميله مسؤولية التنازل عن خور عبدالله في ميناء أم قصر بالبصرة إلى الكويت، رغم أنه هو لا غيره من عقد اتفاقية التنازل قبل أربع سنوات، وخول وزير النقل في حكومته، وقتئذ، هادي العامري التوقيع عليها مع نظيره الكويتي سالم الأذينة في بغداد بتاريخ التاسع والعشرين من أبريل 2013، وأحالها إلى مجلس النواب في دورته السابقة، الذي صادق عليها في الثاني والعشرين من أغسطس 2013 على الرغم من تحفظ 80 نائبا عليها.

 

ومن يلاحظ الهجمة التي يقودها نواب “ما ينطيها” وتصريحاتهم النارية في تحميل حكومة العبادي مسؤولية خسارة العراق لمينائه البحري الوحيد، ابتداء من حنان الفتلاوي مرورا بعواطف نعمة، وانتهاء بعبدالسلام المالكي الذي هدد بإعلان جمهورية البصرة المستقلة إذا نفذت الاتفاقية، لا بد أن يرى أنها مرتبة وخيوطها تتجمع في يد واحدة، تحرك هذه وتحرض ذاك في لعبة مكشوفة تهدف إلى وضع رئيس الحكومة الحالي في زاوية حرجة أمام الشارع العراقي الذي يتحسس جدا من قضايا التنازل عن الأراضي والمياه الوطنية إلى الكويت تحديدا، لاعتبارات تاريخية وأخرى سياسية معاصرة.

 

وتتزايد ضغوط المالكي على العبادي في هذه المرحلة التي شهدت نجاح قطعات الجيش في تحرير الساحل الأيسر من الموصل وطرد مسلحي تنظيم داعش منه، والاستعداد لشن هجمات على جانب المدينة الأيمن لتطهيره، وهذه النجاحات تضايق المالكي وتجعله يغار من قدرة رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة على تنظيم حملة الموصل العسكرية والتنسيق بين وحداتها، واختيار ضباط مهنيين وأكفاء لقيادتها، على عكس جنرالاته السابقين الذين فروا من الميدان وبعثروا قوات ثلاث فرق كاملة أمام 300 مسلح داعشي استولوا على المدينة الكبيرة وسيطروا على أطنان من الأسلحة والذخائر والمعدات في العاشر من يونيو 2014.

 

فالمالكي اليوم في اضطراب شديد، خاصة بعد أن وصلت إلى مسامعه أصداء أهزوجة شعبية يتداولها الناس حاليا نكاية به، يقول مطلعها “الموصل خسرها المالكي بساعة.. وجاها ابن العبادي بهمة سراعة” حتى أن نوابا زاروه مؤخرا، همسوا في آذان زملاء لهم بأن “أبوإسراء” أصبح لا يتورع عن توجيه كلمات نابية أو صفات استخفاف إلى العبادي أمام جلسائه، في محاولة للانتقاص منه، لأنه يعيش في وضع نفسي مأزوم بحيث صار لا يحتمل حتى سماع خطب أو تصريحات العبادي عن معارك الموصل.

 

نوري المالكي نفسه هو من أقنع حليفه هادي العامري قائد ميليشيا بدر الإرهابية بفرض قاسم الأعرجي على العبادي لتولي وزارة الداخلية، بدلا من القيادي الآخر في الميليشيا ذاتها، عبدالكريم الأنصاري، الذي كان يفضله رئيس الحكومة، لأن الأعرجي من محبي المالكي ولا يرتاح إليه العبادي، علما بأنه لا يحمل شهادة جامعية كما يشترط نظام مجلس الوزراء في حصول الوزير عليها، والمفارقة أن وزير الداخلية الجديد قدم شهادة باكالوريوس مزورة في العلوم العسكرية، قال إنه حصل عليها من جامعة مطهري الإيرانية، المتخصصة أصلا بتخريج أئمة وخطباء في الحسينيات.

 

كما سبق للأعرجي أن اعترف، بفخر، بأنه قاتل في صفوف الحرس الإيراني ضد الجيش العراقي منذ عام 1986 وهو العام الذي هرب فيه إلى إيران، إلى غاية منتصف عام 1988 الذي تحقق فيه النصر العراقي الكبير على إيران، وأجبر ساحرها الدجال على تجرع السم.

 

وكان خطأ من العبادي أن يرضخ للمالكي والعامري ويقبل بالأعرجي وزيرا للداخلية خلافا للقانون أولا، ولأنه ميليشياوي ثانيا، وطائفي حتى النخاع ثالثا، وكان يُفترض به أن يختار عسكريا أو ضابط شرطة محترفا لهذه الوزارة، مثل وزير الدفاع الجديد الجنرال عرفان الحيالي الذي يعمل مديرا للتدريب العسكري في قوات مكافحة الإرهاب منذ سنوات، وللمعلومات فإن قائد القوات المشتركة الفريق طالب شغاتي هو من عرف العبادي على الحيالي القادم من قضاء حديثة في الأنبار، وشجعه على توزيره، وشغاتي نفسه هو من سعى وأعاد عرفان إلى الخدمة العسكرية في عام 2007.

 

وواضح أن العبادي في تعامله مع مشاكسات المالكي وسعي الأخير إلى تسقيطه أو إسقاطه، لا يريد مواجهة مباشرة مع المالكي الآن، اعتقادا منه بأن المرحلة الراهنة ليست وقت الصدام معه، وهو بهذا الصدد أبلغ مقتدى الصدر خلال اجتماعهما مؤخرا، وفق ما نقل عن نواب كتلة الأحرار، بأنه منصرف بالكامل لحسم معركة الموصل وبعدها “أعلم المالكي.. من أنا”، وهذا يعني إذا صدقت المعلومة، أن العبادي متحفز شخصيا للنزال مع المالكي ويجهز حاله للانتصار عليه، يحاصره ويستقطب مناصريه وأولهم القيادي المخضرم علي الأديب، الذي بات يغرد خارج سرب المالكي، وعندها لا تفيد المالكي أرصدته المليارية ولا تنفعه مواقف الدعم الإيرانية.

 

كاتب عراقي

هارون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *