داعش يتهيأ لمرحلة ما بعد خروجه من الموصل

 

 

متابعة: عراقيون

تنظيم داعش يحاول العودة إلى نظام الخلايا النائمة والعمل في الخفاء ومن ثم تطوير قدراته بنحو تدريجي على أمل الظهور من جديد.

نظرة إلى المجهول

 

نينوى ـ حرص تنظيم داعش منذ سيطرته على مدينة الموصل (شمال) في 10 يونيو 2014، على حماية الممتلكات العامة وإكمال المشاريع الحيوية التي كانت متوقفة قبل سيطرته، إلا أنه مع اقتراب تحرير المدينة، يقوم بالتنظيم بعمليات نهب وبيع ممنهج لمحتويات المدينة قبل تدمير بنيتها التحتية.

 

فعمد التنظيم على تدمير البنى التحتية بصورة ممنهجة وسرقة محتوياتها وتهريبها إلى خارج العراق، وربما يكون هدف حصوله على الأموال معلنا ولا يحتاج إلى تفسيرات، إلا أن البعض يعتقد أن ذلك يدخل ضمن حسابات التنظيم للتهيؤ لمرحلة ما بعد فقدانه السيطرة على المدينة.

 

أنس أثير القرغولي، مهندس الطرق والجسور، الذي عاش تحت سيطرة التنظيم عامين ونصف وتمكن من الخروج من الموصل قبل أيام، يقول ، إن “التنظيم وضع خطة محكمة لتدمير المدينة وتجريدها من بناها التحتية بالكامل، وباشر بهذه الخطة منذ نهاية 2015، فأخذ ببيع المواد الأولية للمدارس والمشافي والجسور والطرقات ومشاريع الكهرباء والماء إلى تجار من بلدان مختلفة”.

 

وأضاف: “بعد أن انتهى من تلك المرحلة باشر بمرحلة أخرى؛ وهي هدم المشاريع الاستراتيجية وبيع موادها، كما فعل بمديريات الزراعة والتربية والعمل والشؤون الاجتماعية والمراكز الأمنية والمركز السياحية، وبيعها أيضا الى ذات الجهات”.

 

ويلفت القرغولي، إلى أن “بيع البنى التحتية للمدينة ساعد التنظيم على تجاوز الأزمة المالية القاسية التي مر بها بعد حظر الاتجار معه بالآثار والمنتجات النفطية وقطع خطوط الإمداد عليه من المحاور كافة في إطار حرب التحالف الدولي لإضعاف داعش والقضاء عليه”.

 

ويؤكد أن “الموصل، إبان سيطرة التنظيم، عادت إلى حقبة ما وراء التاريخ وباتت تفتقر لأبسط مقومات الحياة. وهذا الخراب يشاهده المدنيون كل يوم أمام أعينهم إلا أنه لا يستطيع الاعتراض أو الحديث، لأن آلة القتل التي سخرها التنظيم تجاه المعارضين له تعمل على مدار الساعة، وهي شديدة الفتك”.

 

القرغولي، أوضح أن “التنظيم استمر في سياسة هدم البنى التحتية وبيعها إلى أن انطلقت معركة تحرير الموصل في 17 أكتوبر2016، وحينها انتهج التنظيم مسارا آخرا في التعامل مع البنى التحتية من خلال تفجيرها أو إضرام النار بها، لاسيما الموجودة بالمواقع التي توشك من الخروج من سيطرته لصالح القوات الأمنية، وهذا ما فعله في جامعة الموصل، ثاني كبرى المراكز العلمية في العراق بعد أن أحرقها بالكامل، وكذلك دمر الشوارع، وأوقع أعمدة نقل الطاقة الكهربائية، وهدم مشاريع تعقيم المياه، وفجر الجسور”.

 

لكن الخبير في شؤون الجماعات المسلحة والكاتب السياسي عبد الإله النعاس، يتحدث عن هدف آخر للتنظيم من وراء تدمير البنية التحتية للموصل.

 

ويقول النعاس خلال لقاء معه في مدينة أربيل شمالي البلاد، إن “التنظيم يفكر في المرحلة التي تلي خسارته للموصل، حيث سيتم ضخ الأموال من بغداد والمجتمع الدولي لإعادة إعمار المدينة، وهنا سيبدأ عمله القديم للحصول على جزء من تلك الأموال عبر الابتزاز”.

 

وأوضح النعاس، أن “التنظيم كان قبل صيف يونيو 2014، متغلغلا في الموصل بشكل خطير، ويحصل على الأموال الطائلة من ابتزاز المسؤولين والمقاولين والتجار والموظفين وأصحاب الأعمال الحرة وكل فئات المجتمع، ومن يمتنع عن دفع الأتاوات له، يقدم على قتله فورا، وهذا ما حدث سابقا، وتكرر حدوثه مئات المرات، لا بل آلاف المرات”.

 

وأشار إلى أن “من يتحدث عن سيطرة داعش، على الموصل في 10 يونيو 2014، واهم ولا يعرف حقيقة الأمور”، مؤكدا أن “التنظيم أسس قواعد تواجده في الموصل، ثاني كبرى مدن العراق وذات الأغلبية السنية منذ 2007”.

 

ولفت إلى أن “المتشددين كانوا يجنون ملايين الدولارات من المدينة عندما كانت السلطة الأمنية منهارة ولا تجرؤ على إيقاف الإرهاب أو السيطرة عليه وحماية المواطن من الابتزاز المنظم”.

 

ويضيف النعاس، “التنظيم موّل نفسه ذاتيا بالاعتماد على سرقة أموال الشعب، وهذا الشيء مكنّه من تأسيس سلطة قوية جدا قادرة على الإطاحة بأي مصدر آخر للسلطة لا يتمتع بالقوة الكافية، وهذا ما حصل منتصف 2014”.

 

وتابع أن “التنظيم يحاول الآن وبعد أن أيقن أن الولايات المتحدة الأميركية أعدت العدة لإنهاء وجوده، قرر العودة إلى نظام الخلايا النائمة والعمل في الخفاء ومن ثم تطوير قدراته بنحو تدريجي على أمل الظهور من جديد، أو العيش هكذا والإفادة من كل كبيرة وصغيرة تشهدها الموصل”.

بنية تحتية مفقودة

 

ثابت يونس، اسم مستعار لأحد مخاتير أحياء الموصل لأنه ما يزال تحت سيطرة داعش في النصف الغربي للمدينة، يقول ، إن “شراء المنازل أو الاستيلاء عليها بالتزوير والتلاعب من قبل المسلحين كان سائداً خلال فترة العامين ونصف العام لسيطرة التنظيم على الموصل، خصوصاً مع خلو البيوت من ساكنيها أو عرضها للبيع بأسعار زهيدة”.

 

ويضيف أن “التنظيم سعى من وراء شراء المنازل للمؤيدين له في مناطق متعددة من المدينة، هو تأسيس بنية تحتية له ليكون قادرا على التواجد بقوة وإدارة عملياته بسهولة أكثر حتى بعد أن يفقد دولة خلافته المزعومة، الأمر الذي سوف يجعل إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة يتطلب عقودا من الزمن في ظل الصراعات السياسية وتعدد القوى الحاملة للسلاح التي تتواجد على أرض الواقع والتي لكل منها أجندتها الخاصة وتحاول فرضها على الأخرى حتى وإن كان المواطن هو الثمن”.

 

هذا ما يحذر منه إياد العنزي، أحد سكان منطقة “المهندسين” المحررة في الجانب الشرقي للموصل، وهو “تغلغل عناصر داعش، في الواقع الموصلي، لا بل وإصرارهم على مواصلة أعمالهم بنحو طبيعي كأنما شيئا لم يكن”.

 

وقال العنزيإن “الجانب الشرقي فيه عدد كبير من عناصر التنظيم والمؤيدين له، وهم ما زالوا يتواجدون ويشاركون المدنيين في الحصول على المساعدات التي توزعها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ويقدمون على ممثليات الدوائر لتسجيل أسمائهم من أجل العودة إلى الوظائف التي كانوا يشغلونها أو من أجل الحصول على فرصة عمل جديدة”.

 

وذكر العنزي، أن في الزقاق الذي فيه منزله، يتواجد أربعة من المنتمين للتنظيم مع عائلاتهم، وكانوا يعملون معه وبشكل مباشر قبل أن تدخل الوحدات العسكرية إلى المنطقة وعند دخولها لم يفروا، بل أول من خرج ورحب بها كانوا هم وقدموا للقوات العراقية الشاي وفتحوا لها منازلهم لقضاء قسط من الراحة.

 

ويتابع أن “الأمر غريب جدا بل يفوق التصور، وأن المدنيين يخشون من أن يبلغوا القوات الأمنية عن الأفراد المنتمين للتنظيم خوفا من العلاقة الجيدة لهؤلاء الأفراد بالقوات، وبالتالي تعريفهم بالمصدر الذي أبلغ عنهم ومن ثم الانتقام منه بطرق مختلفة، في ظل غياب القانون وانعدام السلطة”.

 

من جهته، يقول أبو زينب، أحد سكان الحي العربي المحرر في الجانب الشرقي للموصل، إن “عناصر التنظيم والمؤيدين له مازالوا طلقاء ولا يهابون العقاب في ظل انعدام السلطة”.

 

ويشار إلى أنه ذهب مع مجموعة من وجهاء المنطقة إلى القوات الأمنية وجرى إبلاغها عن ثلاثة من قادة التنظيم وبالفعل تم اعتقالهم وبعد ساعات جرى الإفراج عنهم وإرجاعهم إلى مساكنهم.

 

ويبين أبو زينب، “عند الذهاب إلى القوات الأمنية وسؤالها عن سبب إطلاق سراح الأشخاص الذين جرى الإبلاغ عنهم، كان جوابها أن أسماءهم لا توجد في قوائم جهاز الأمن الوطني والتي جرى تقديمها من قبل المصادر الخاصة بهذا الجهاز”.

 

ولفت إلى أن “هذا الإجراء دفع به إلى حزم حقائبه مع عائلته وترك منزله والنزوح إلى مدينة أربيل (مركز الإقليم الكردي شمالي العراق) بانتظار بيع منزله وشراء آخر في محل إقامته الجديد دون العودة إلى الموصل، بسبب أن الأوضاع في المدينة سوف تعود إلى المربع الأول، وهو مربع التفجيرات والاغتيالات والقتل والاختطاف وإجبار السكان على دفع الأتاوات وغيرها من عمليات الإرهاب”.

 

والموصل مدينة كبيرة جدا ومتشعبة ومتنوعة، السيطرة عليها بعد أكثر من عامين ونصف من تواجد المسلحين فيها، يعد أمرا في غاية الصعوبة، ولا يمكن لأية قوة قتالية في العالم من تحقيقه”، هذا ما يؤكده الفريق الركن غانم عماد الدراجي احد قادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب.

 

ويضيف أن “القوات المتواجدة من جهاز مكافحة الإرهاب، والفرق العسكرية الأخرى، والشرطة الاتحادية، مهامها قتالية وليست مسك الأرض والتحقيق في القضايا الجنائية، والقبض على الخلايا النائمة، أو العناصر المؤيدة للتنظيم”.

 

الدراجي، كشف أن “هذا الموضوع جرى بحثه مع القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، والقيادات العسكرية العليا، فقرروا إرسال ثلاثة فرق من استخبارات الأمن الوطني للتواجد في المناطق المحررة، والعمل على تدقيق الأوراق الثبوتية للسكان، وجمع المعلومات عن المتورطين مع التنظيم وتقديمها إلى القوات ليتم القبض عليهم”.

 

وبيّن أن “عمل تلك الفرق سوف يكون مطلع شباط القادم، وأغلب أعمالها سوف يكون بنحو سري للإسراع في تطهير المدنية من أي تواجد يساعد في زعزعة الأمن والاستقرار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *