العراق.. ما أخبار المخطوفين؟ فاروق يوسف  

 

ما محي من آثار المخطوفين هو في حقيقته مرآة لما محي من هوية البلد الذي غطس في وحل الطائفية، ولم يعد هناك أمل في إخراجه من تلك المحنة.

 

يقول الخبر إن العشرات من المواطنين خُطفوا شمال العاصمة العراقية بغداد في حملة قامت بها الأجهزة الأمنية. الحكومة العراقية لم تنكر الخبر ولم تعتبره دسيسة يُراد من خلالها تعكير السلم الأهلي الذي لا وجود له، أو الإساءة إلى المذهب الشيعي. اكتفى رئيس الحكومة بحث تلك الأجهزة على البحث عن مصير المخطوفين. وكما يبدو فإن العراقي، أي عراقي، لم يعد آمنا من إمكانية أن يكون مخطوفا مجهول العنوان.

 

ما لا لم يدركه العراقيون حتى هذه اللحظة أنهم أبناء بلد مختطف. لقد بدأ الأمر بخطف أفراد قيادته السياسية الذين وُضعت صورهم على أوراق اللعب باعتبارهم مطلوبين، ثم كرت المسبحة ليتم تغييب الجيش، وتختفي الدولة في ضربة نرد واحدة. بعد ذلك كان من اليسير أن تختطف منشآت البلد النفطية ومصانعه ومزارعه وأسواقه، وهو ما مهد للخطف التربوي والأخلاقي حين صارت المدارس بكل مستوياتها ملعبا، يفرض من خلاله أعضاء حزب الدعوة والحزب الإسلامي المتخلفين شروطهم على المجتمع.

 

لقد اختطف الكثيرون على أساس الهوية وضاعت أخبارهم كما لو أنهم لم يكونوا موجودين يوما ما. ما محي من آثار المخطوفين هو في حقيقته مرآة لما محي من هوية البلد الذي غطس في وحل الطائفية، ولم يعد هناك أمل في إخراجه من تلك المحنة.

 

ما لا يمكن إنكاره أن العراقيين لا يملكون استقلالا في قرارهم السياسي، وكل ما يُقال عن السيادة في العراق هو مجرد أوهام. كما أن أفراد الطاقم السياسي في العراق يعرفون أن وجودهم في السلطة مرتبط بقدرتهم على الانسجام مع نظام المحاصصة، وهو نظام ينص على أن تقوم الأحزاب التي تحتكر تمثيل الطوائف بخطف السلطة.

 

الشعب الذي صار بحكم الدستور مجرد مجموعة من المكونات قد تم ركنه جانبا. لم يعد مصدر السلطات كما تنص الدساتير في العالم. لقد اختطفت الأحزاب الطوائف التي اختطفت الشعب فصار مجرد مفهوم غامض لا يمكن لأحد أن يهتدي إليه على أرض الواقع.

 

لم يعد هناك شعب عراقي واحد. هناك مجموعات بشرية، يمكن تصنيفها وإعادة النظر في ذلك التصنيف حسب الظرف المتغير والحاجة المؤقتة. وعلى صعيد أضيق فقد تم خطف المجموعات البشرية التي تمت إعادتها إلى أصولها العرقية والطائفية، بحيث صار العراقيون لا يكلفون أنفسهم مشقة البحث عن إجابة على سؤال من نوع “مَن خطف مَن؟”، فالطوائف يخطف بعضها الآخر في ظل نظرية الرضوخ لمبدأ القبول بالعراق بلدا مختطفا.

 

ذلك المبدأ هو ما يزود ماكنة الفساد بالزيت الذي يزيد من سرعة حركتها ويديم عمرها. وهو ما يضمن وجود حصانة اجتماعية للفاسدين الذين يملكون صفة مزدوجة. فهم واجهة الطائفة التي يمثلونها، وهم في الوقت نفسه خاطفو تلك الطائفة.

 

وبذلك يشكل العراقيون شعبا مختطفا، بالرغم من أن بعضهم لا يزال يصر على حقه في أن يكون خاطفا لا مخطوفا. فكيف يمكننا أن نتوقع ألا تكون الجهات الأمنية، وهي مخترقة من الميليشيات، هي المسؤولة عما يتعرض له العراقيون من حالات اختطاف؟

 

في حالة ميؤوس منها مثل الحالة العراقية قد لا يكون التكرار نافعا. فالحديث عن العشرات من المختطفين أمام شعب مختطف هو نوع من البلاهة. وهو ما يُضحك سياسيي بغداد الذين يشعرون بأنهم في مأمن من العقاب مهما ارتكبوا من جرائم، ومهما فعلوا من موبقات. لا لأنهم يمثلون الشعب، بل لأن ذلك الشعب لم يعد موجودا من وجهة نظرهم.

 

عدم اعتراف سياسيي العراق بوجود الشعب، وهو ليس سرا، لا يُواجه إلا بالصمت. وهنا تكمن واحدة من أكثر مشكلات العراق تعقيدا. فالشعب وقد تمكنت منه الطائفية السياسية لم يعد قادرا على تخيل فكرة وجود أو استعادة الوطن الواحد. لقد خُطفت تلك الفكرة وخُطف من خلالها الوطن. وهو ما يريح السياسيين. ذلك لأنه يجعلهم في منجى من مواجهة شعب متحد ويبعد عنهم شبح الوطن الذي تنص منطلقاتهم النظرية على عدم الاعتراف بوجوده.

 

لذلك يمكنني القول إن الشعب العراقي لن يرى النور ما لم يتمكن من كسر قيود خاطفيه الطائفيين. فالخطف الطائفي لا يستثني أحدا من شروره.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *