نوري المالكي يستخدم سليم الجبوري في معركة العودة إلى حكم العراق

 

 

وجود قيادات سنية عراقية بنفس الخندق إلى جانب أعداء سابقين من المعسكر السياسي الشيعي يظهر مجدّدا أن المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية التي تميّز المشهد السياسي العراقي في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي لا تكون صارمة حين يتعلّق الأمر بحماية مصالح أو مواجهة خصوم وأعداء ولو كانوا من نفس الطائفة وحتى الحزب.

 

 

منطق المصلحة يتيح التقاء الخطوط المتوازية

 

مثّلت إطاحة علي التميمي عضو التيار الصدري من منصبه كمحافظ للعاصمة العراقية بغداد أحدث نتيجة للتحالف الذي بات يجمع بين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، وهو تحالف يبدو للكثيرين ضدّ المنطق، لكنّ المطّلعين على الشأن العراقي يعتبرونه ظاهرة طبيعية في العملية السياسية القائمة أساسا على تبادل المنافع بين أطرافها، ما يجعل حدود المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية، تذوب في كلّ مرّة حين يتعلّق الأمر بحماية مصلحة أو الحصول على مكسب، والتصدّي لعدوّ وإن كان من أبناء الطائفة أو الحزب.

 

ويعتبر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مقدّمة أعداء نوري المالكي، فيما أصبح رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي يمثّل خطرا على طموحات المالكي وعلى مستقبله السياسي، ما استدعى استخدام زعيم حزب الدعوة الإسلامية، لرئيس البرلمان سليم الجبوري عضو الحزب الاسلامي السني في مواجهة أعدائه من داخل عائلته السياسية الشيعية، فيما يجد الجبوري في الاصطفاف خلف المالكي مظلّة سميكة ضدّ هجمات خصومه السياسيين الكثيرين من السنّة والشيعة على حدّ سواء.

 

وشكّل أعضاء مجلس محافظة بغداد التابعون لاتحاد القوى الذي ينتمي إليه الجبوري، مع أعضاء كتلة دولة القانون بزعامة المالكي في المجلس، فريقا من 31 مقعدا تمكن من إطاحة محافظ بغداد من منصبه، بعد استجواب استمر لجلستين.

 

ويذكّر مطّلعون على الشأن العراقي بأنّ تحالف المالكي-الجبوري هو ما ضمن للأخير البقاء في منصبه رئيسا لمجلس النواب بفعل دعم الأول له في المواجهة التي كانت قد نشبت مع وزير الدفاع السابق خالد العبيدي وأفضت إلى إقالته، فيما بيّض القضاء الذي يقوده مدحت المحمود صديق المالكي صفحة الجبوري من تهم الفساد التي وجّهت إليه من قبل العبيدي.

 

وإذا ما كان عداء المالكي للتيار الصدري ولمقتدى الصدر شخصيا أمرا معروفا، فإن انضمام الجبوري ممثلا لكتلة سنية إلى ذلك العداء يشكل تحولا في خارطة الاستقطاب السياسي الذي كان قائما على أساس طائفي بحت، وتوريطا مباشرا لاتحاد قوى الكتلة السنية، في صراع كان إلى وقت قريب شيعيا ــ شيعيا.

 

سياسيو العراق يدركون أن عليهم إذا ما حلوا مشكلة الحكم أن ينتقلوا إلى مرحلة الأداء الوظيفي وهو ما لا يرغبون فيه

 

ويهدف رئيس الوزراء السابق إلى استخدام السياسيين السنّة وفي مقدمتهم الجبوري، أيضا في إضعاف عضو حزبه وكتلته، وخلفه على رأس الحكومة حيدر العبادي وقطع الطريق على حصوله على ولاية ثانية.

 

وتكشف التحالفات المتغيّرة أن ما يسمى بنظام المحاصصة الطائفية هو في حقيقته نظام لتقاسم امتيازات السلطة بين أحزاب احتكرت تمثيل الطوائف من غير أن تكون معنية بخدمة جمهورها. فما يسميها سياسيو العراق باللعبة السياسية تقوم على أساس تبادل الأدوار من أجل أن تبقى الخيوط مشدودة ويبقى التوتر الشعبي قائما، وتظل ماكنة الفساد تلتهم مقدّرات البلاد.

 

وبذلك تظلّ تحالفات اليوم مثل تحالفات الأمس جزءا من تلك اللعبة السياسية التي تدور في ملعب ضيق ولا يخرج هدفها بعيدا عن السعي لإدارة مشكلة الحكم. وهي مشكلة لا يرغب الطاقم السياسي الحالي في حلها، ذلك لأنه يربح من خلال استمرارها زمنا مضافا في السلطة.

 

ويدرك سياسيو العراق جيدا أن عليهم إذا ما حلوا مشكلة الحكم أن ينتقلوا إلى مرحلة الأداء الوظيفي، وهو ما لا يرغبون فيه على الإطلاق. والدليل على ذلك يكمن في أن كل التحالفات الحزبية لا تقوم على أساس مشاريع سياسية واضحة. ولأن الهدف منها ثأري، فإنها تنتهي بمجرّد تحقق ذلك الهدف.

 

وتنظر أوساط المراقبين في بغداد إلى التنسيق المتزايد بين المالكي والجبوري بوصفه إشارة صريحة لمستقبل الخارطة السياسية في العراق، إذ ينتظر التحاق حزب الرئيس العراقي السابق جلال طالباني بهذا المحور، ليشكل خليطا من الشيعة والسنة والأكراد.

 

وكان منتظرا أن تبدأ كتل سياسية تحركا موازيا، ليتشكل فريق يضم جناح رئيس الوزراء حيدر العبادي في حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، مع عدد من الشخصيات السياسية السنية المثيرة للجدل، مثل وزير المالية السابق رافع العيساوي ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي. لكن التنسيق بين هذه الأطراف توقف عند مستوى التفاهمات الأولية.

 

وينظر إلى إقالة محافظ بغداد، على أنها “بروفة” لما يمكن أن يقوم به تحالف المالكي- الجبوري، ليس على مستوى مجلس محافظة بغداد فحسب، بل على مستوى البرلمان العراقي والحكومة المركزية أيضا.

 

والتحدي القريب الذي ينتظر هذا التحالف، هو تسمية محافظ جديد لبغداد، ينتمي إلى كتلة المالكي.

 

وتعتقد أطراف سياسية في بغداد أن المالكي والجبوري ربما يدشنان حملة ضغط جديدة على حكومة العبادي، بعد تلك التي أطاحت باثنين من أبرز وزراء كابينته، هما وزير الدفاع خالد العبيدي ووزير المالية هوشيار زيباري.

 

وتقول مصادر سياسية في بغداد، إن نوابا من التيار الصدري يحاولون الرد على إقالة التميمي من منصب محافظ بغداد بطرح الثقة عن وزير التربية محمد إقبال، وهو حليف لرئيس مجلس النواب، لكنهم يواجهون صعوبة في إدراج هذه الفقرة على جدول أعمال البرلمان، في ظل التنسيق الفعال بين كتلتي دولة القانون واتحاد القوى النيابيتين.

 

وتضيف هذه المصادر أنّ تحالف المالكي- الجبوري، ربما يلجأ قريبا إلى استجواب وزراء في حكومة العبادي، ينتمون إلى المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمّار الحكيم أو الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، على أمل ضرب النصاب في مجلس الوزراء ومنع انعقاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *