سرمد كوكب الجميل يكتب| التنمية نموا كميا وتغييرا نوعيا

عراقيون| مقالات رأي
يعرف التنمويون التنمية بانها نمو كمي وتغيير نوعي ويبدو انها معادلة بسيطة في شكلها ولكن الحقيقة هي ثنائية عميقة بمعانيها ومضامينها، وكل من العنصرين فيها ينطوي على ابعاد اكبر مما يعتقد المرء واوسع مما يتخيل .. . ويضرب التنمويون مثالا على النمو الكمي والتغيير النوعي… بالطفل فهو ينمو كميا بطوله وعرضه ووزنه وينمو نوعيا بسلوكه وقدراته ومهاراته حتى يصبح شابا ورجلا، فاذا اقتصر نمو الطفل على الكم لوجدنا رجلا بالطول والعرض والوزن وطفلا بالعقل والسلوك والقدرات، ولكنه في الحقيقة ينمو نوعيا ويتحكم بكل عنصر من هذين العنصرين عوامل كثيرة ومتعددة فقد ينمو كميا بشكل مفرط وقد يتشوه ويترهل جسمه ولهذا لا بد من محددات وضوابط للنمو الكمي، وفي الوقت نفسه ينمو نوعيا بالقدرات والسلوك فيتعلم في بدايته الاكل والشرب والمشي والركض والنطق والكلام، وتزداد مهاراته وقدراته تباعا ويتحدد سلوكه بذلك ولهذا ايضا محددات وضوابط يتحكم بها البيت والاهل والمدرسة والبيئة وغيرها وفي النهاية يكون رجلا سويا ويتميز بميزات وقدرات خاصة به او العكس .

هكذا التنمية انها اذن نمو كمي وتغير نوعي ودعونا نناقش النمو الكمي عن كثب؛ اذ يؤشر الناتج المحلي الاجمالي بوصفه معبرا عن الجانب الكمي ونموه يعني نموا كميا والناتج المحلي الاجمالي يقصد به ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات خلال سنة واحدة مقيما بالوحدة النقدية دينار او دولار او غير ذلك مما يعني ان هناك زيادة في الناتج المحلي الاجمالي وتحسب نسبة الزيادة تلك عن السنة السابقة فتكون بمثابة نسبة النمو في الناتج المحلي الاجمالي والتي يعدها الاقتصاديون نسبة لنمو الاقتصاد وهناك مؤشرات ااقتصادية كثيرة ولكن يبقى الناتج المحلي الاجمالي هو الاهم .

اذن المشكلة في الناتج المحلي الاجمالي مصادره وكيف يحتسب وحقيقة تمثيله للنمو الاقتصادي ؟؟ لقد تناول الاقتصاديون هذا المؤشر بالدراسة والتحليل منذ عقود واطرت كل سلبياته واهمها طريقة احتسابه وثبتت الكثير من الاخفاقات، ولكن كان دائما يبرر بغياب البديل عن هذا المؤشر ..على الرغم من كل ذلك تبقى طريقة احتساب الناتج المحلي الاجمالي على اساس حجم الانفاق او الانتاج او في قياس عوائد عوامل الانتاح وغيرها من المنهجيات ولكل منهجية سلبياتها وايجابياتها الا ان المحصلة هو قياس رقمي تقديري اقتصادي بطبيعته وهذا ما يعبر عنه بالنمو الكمي .

اما التغيير فهو ما تناوله الاقتصاديون في اتجاه التغيير في الهيكلية وتنويع الانشطة والانماط .

ايا كان الامر فقد تجاهل الاقتصاديون الجانب المجتمعي متمثلا بالثقافة والرقي والقدرات والسلوكيات والتنظيم والقيم وغيرها مما يعني ان هناك مدخلا اخر في تفسير التنمية كونها نموا كميا وتغييرا نوعيا لا يقترب من الاقتصاد بل هو رهن مجتمعه …وهذا ما تبينه المقارنات بين الدول والابعاد التي تبنى عليها في نمطية المجتمع ومعاييره والتي تعود لجذور وتفرعات عميقة في المجتمع وتعطي نتائجها دائما عبر انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على مسار التنمية ومقدراتها.

والتغيير الكمي في الاقتصاد ممثلا بالنمو في الناتج المحلي الاجمالي ينبغي ان يحدث تغييرا نوعيا في المجتمع وليس في الاقتصاد فقط ذلك ان النمو قد يتحقق من خلال زيادة الانتاج للسلع والخدمات فيزداد الناتج المحلي الاجمالي وينمو الاقتصاد ويبقي تاثير ذلك في المجتمع من خلال تطور اساليب العمل والياته وتكريس ظاهرة حب العمل عندها سيكون لها تداعيات كثيرة سلوكية وقانونية وادارية والتاثير حتى في رؤية المجتمع وتوقعاته وشيوع الانضباط المجتمعي وغير ذلك مما يقود للقول لا بد من البحث عن اصل وجذور تلك النسب الخاصة بالنمو الاقتصادي واذا اقتصر التفسير على المضمون الاقتصادي حسب فاقول لك سيدي للتوضيح ان النمو الاقتصادي في دولة نفطية مثلا هو نمو الناتج المحلي الاجمالي من دون اية تغيرات نوعية هيكلية في نمط الانتاج وتنويعه وتعدد مصادره فمثله مثل طفل نما واصبح ضخما مترهلا مشوها وهو ما زال بعقلية ابن يوم واحد او يومين لا يفقه من امر الدنيا شيئا واذا اخذنا التفسير المجتمعي ما بين النمو الكمي والنمو النوعي فتلك قضية اخرى سافرد لها مقالة خاصة ان شاء الله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *