سعد سعيد الديوه جي يكتب| لماذا يريدون هدم الكعبة …؟

عراقيون| مقالات رأي


شاهدنا على شاشات التلفاز وسمعنا ممن ذهب للعمرة في هذا الموسم – رمضان وما قبله – تلك الأعداد المليونية، وهي تطوف حول الكعبة، في بيت الله الحرام الذي وصفه الله بقوله ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾‏ آل عمران))، وقوله تعالى ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿١٢٥﴾‏ البقرة))، كسيل هادر لا مثيل له، بعد أن خففت الحكومة السعودية من إجراءات الدخول، والذي دفعنا لكتابة هذه الأسطر ليست العاطفة المتأججة التي تدفع بالمسلمين بمختلف أجناسهم للذهاب الى مكة المكرمة وأداء العمرة أو الحج، حيث يمثل الطواف حول الكعبة بؤرة المشاعر فيها وأكثرها تشويقاً.

لقد وصف المرحوم “محمد أسد” (ت1992م)، الكعبة، وكان يعرف قبل إسلامه وهو على الديانة اليهودية بإسم “ليوبولد فايس”، وهو الذي خدم الإسلام بكتابات خالدة، فقال “بأنها أبسط شكل لأعظم منظر على الأرض”، ولكن ما أثار المرحوم محمد أسد سوى ذلك المكعب الحجري المجلل بالسواد، والمسلمون لا يعبدونه ولكنهم يطوفون حوله وهم يرددون “لبيك أللهم لبيك”، ويتحلقون في حلقات دائرية منتظمة لأداء الصلاة لله ورجاء مغفرته، والذي بناه إبراهيم وإسماعيل إبنه (عليهما السلام) بقوله تعالى ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾‏ البقرة)).

ولا يخلو الحرم المكي الذي تقع الكعبة في وسطه من هذا المنظر المهيب سواءاً في مواسم العمرة أو موسم الحج، وفي شعيرة الطواف تختفي كل الفوارق الطبقية ولا فرق بين رجل وإمرأة أو شيخ كبير وشاب يافع أو غني يملك الدنيا وفقير مدقع.

وخلال مشاهدتي لأحد الأفلام على الشبكة العنكبوتية يظهر فيه راهب هندوسي محاطاً بأتباعه في إحدى مدن الهند، وهو يتكلم بحماس بالغ ويحث أتباعه للتوجه نحو الكعبة وإزالتها من الوجود، والأمر يدعو للحيرة والإستغراب، فالكعبة تفصلها البحار عن أي نقطة في الهند، ولا يوجد ما يشترك به الإسلام مع الهندوسية تلك الديانة الطبقية والتي فيها عدد لا يحصى من الآلهة!، فلكل ظاهرة طبيعية إلهاً، كالمطر والريح والمياه، … الخ، وأن أوثان الآلهة تملأ معابدهم، ناهيك أنهم يقدسون الأبقار ويتمسحون ببولها وبرازها!، وبعض طوائفهم تقدس حتى الفئران وتقيم لها معابدها الخاصة!، فلماذا هذا الحقد الأعمى نحو الكعبة؟.

والأمر لا يقتصر على بعض المتعصبين من الهندوس، فقبل سنوات صرح سناتور أمريكي، بأنه من الممكن قصف الكعبة بالقنابل الذرية وتخليص العالم من هذا الجنون (الذهاب لمكة والطواف حول الكعبة).
ولا تقتصر الاحقاد على الحج عموماً والكعبة خصوصاً في الوقت الحاضر، ففي الماضي كان أعداء الإسلام من الباطنية والمانوية والمزدكية وكل الأديان الثنوية والوثنية أشد حقداً وحسداً، بعد أن أزاحهم الإسلام عن الساحة وبين تفاهة معتقداتهم.

فقد وري أن أحد المانوية وهي من الأديان الفارسية التي سقطت أمام الإسلام وتؤمن بإله النور وإله الظلمة بالإضافة لبعض الممارسات الإباحية، وهو يزدان بن باذان تعمد بالذهاب الى مكة وقت الحج وتظاهر بأنه مسلم فقال “ما أشبههم إلا ببقر تدوس في البيدر- الجرن”، ولما سمع الخليفة العباسي الهادي (ت169هـ)، وعرف أنه زنديق قتله.

وأما ما فعله القرامطة وهم باطنية إسماعيلية، بالكعبة فشيء لا يمكن وصفه، إلا في دائرة إلغاء ركن الحج على أنه ممارسة وثنية وكل ما يتعلق به، وأهم أهدافهم كان تدنيس الكعبة المشرفة وهم يدعون الإسلام!.
لقد زرع القرامطة في نفوس أتباعهم، بأن الحجر الأسود هو صنم من الأصنام، ولا يمثل تقبيله أي شعيرة من شعائر الحج، وفي ذلك قال عمر (رض)، “والله أني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله (ص) يقبلك ما قبلتك”، علماً أن الرسول (ص) قبله تعظيماً لجده إبراهيم (عليه السلام).

بدأ القرامطة بالتعرض لقوافل الحج، وقد حدث ذلك أول مرة عام (312هـ)، حيث تقدر بعض المصادر أن (2200) رجل و (300) إمرأة لقوا حتفهم، وأن (2200) رجلاً و(500) إمرأة أخذوا أسرى الى عاصمة القرامطة (هجر) على ساحل الخليج.

وحدثت الفاجعة الكبرى عام (317هـ/كانون الثاني 930م)، عندما دخل القائد القرمطي أبو طاهر الجنابي الحرم الشريف يوم التروية في الثامن من ذي الحجة على رأس ستمائة فارس وتسعمائة راجل قرمطي، مندفعين بأحقاد دفينة يغطونها بتعاليم باطنية لا تمت للإسلام بأي شيء، ودخيلتهم إرجاع أمجاد الأديان الفارسية المندرسة.

أخذ جنود أبو طاهر الشرسين يقتلون ويدوسون كل شيء ويصيحون بسخرية ووحشية : أليس قلتم في هذا البيت من دخله كان آمناً؟ أين حرمته وامنه الآن؟.
وأسترسل القرامطة في بربريتهم لعدة أيام كما يقول المؤرخ ميكائيل دي خويه، ونهبوا وسلبوا كل شيء وعوقبت أدنى مقاومة بالسيف، وتم إقتلاع الحجر الأسود وكسره ونقله الى عاصمته (هجر) لتكون البديل عن مكة، وسرقت كل النفائس والهدايا، وقتلوا ما مجموعه (ثلاثون ألفاً) وقد تعمدوا بممارسة كل الموبقات، فدخلوا البيت العتيق وهم سكارى ودنسوا المصحف الشريف وداسوا عليه، ومارسوا الزنا داخل الحرم!.

لقد كانت غاية أبو طاهر هدم الكعبة ولكنه عدل عن رأيه بعدما تصدى له رجال قبيلة بني هذيل الذين أستطاعوا تحرير عدد كبير من الأسرى وإسترداد بعض الغنائم.
لقد بلغ الإستهزاء والسخرية بالحج عموماً وبالبيت الحرام حداً لا يصدق عند القرامطة وأشباههم، فخرج قائدهم أبو طاهر الجنابي وهو ينشد:
لو كان هذا البيت لله ربنا
لأننا حججنا حجة جاهلية
وأنا تركنا بين زمزم والصفا

لصب علينا النار من فوقنا صبا
مُحللة لم تبق شرقاً ولا غربا
جنائز لا تبغي سوى ربها ربا

لقد كان قصد القرمطي هو نفس قصد الراهب الهندوسي وأمثاله من الحاقدين، وهي أن شعائر الحج والعُمرة وبالتالي كل دين الإسلام خرافات ليس إلا، وأن الكعبة بناءاً حجرياً لا يقدم ولا يؤخر ويتناسون بأنها البؤرة التي يتجه نحوها الملايين في صلاتهم كل يوم.

إن الدونية والحقد اللذان يعتملان في قلوب الذين يكرهون الإسلام والمسلمين، وتلك الرمزية التي تمثلها الكعبة بكونها قبلة المسلمين في أي بقعة من العالم في صلاتهم، وإعلانهم مطلق التسليم للخالق تعالى الذي ليس كمثله شيء، ولا يمكن تصويره على أشكال أصنام وتماثيل، وهذه البؤرة التي يطوف حولها المسلمون تمثل سنام السمو الإسلامي في ممارسة الحج والعُمرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *