التمر.. محصول وطني “مقدّس” يواجه الاندثار لثلاثة أسباب

يواجه محصول التمر، الذي كان يعد أحد ابرز المنتجات الزراعية التي تتسلح بها بلاد الرافدين وتصدر سنويا كميات كبيرة منها الى الخارج، تهديدات حقيقية تهدد باندثاره، فيما يعزو المسؤولون الحكوميون ذلك الى عدة أسباب، منها ضعف الاهتمام بالنخيل وعدم توفير الدعم للفلاحين من حيث ايقاف الاستيراد الاجنبي وتوفير الاسمدة، فضلا عن غياب خطة تسويقية للتمور. 
يعد العراق من أقدم مواطن زراعة النخيل في العالم، إذ كان أول ظهور موثق لشجرة نخيل التمر في العالم القديم في مدينة اريدو التاريخية جنوبي البلاد (حوالي 4000 ق.م) والتي كانت منطقة رئيسية لزراعة نخيل التمر، كما يوجد في المتحف العراقي ختم يحتوي على رجلين بينهما نخلة تمر يعود إلى عصر الاكديين (حوالي 2730 ق.م).  وتحتوي مسلة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) على سبعة قوانين متعلقة بالنخيل منها قانون يفرض غرامات كبيرة على من يقطع نخلة، وقوانين أخرى تتعلق بتلقيح الاشجار وبالعلاقة بين الفلاح ومالك الأرض وعقوبات على الإهمال وعدم العناية، حيث تفرض على الفلاح ان يدفع ايجار البستان كاملا إلى المالك إذا سبب اهماله أو عدم عنايته بالاشجار إلى قلة إنتاج التمر. وكان الاشوريون يقدسون أربعة اشياء هي نخلة التمر والمحراث والثور المجنح والشجرة المقدسة. كانت أعداد أشجار النخيل في العراق، وفق إحصائيات أجريت في سبعينيات القرن الماضي، تصل إلى حوالي 50 مليون نخلة، إلا أنّ الحروب والظروف الصعبة والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي تسببت في تراجع العدد إلى حوالي 30 مليون نخلة بحسب إحصاء تقريبي أجري عام 2002. واستمر تناقص أعداد النخيل حتى وصل إلى 16 مليون نخلة فقط، في عموم البلاد، وفق إحصاء عام 2014. تحويل هيئة النخيل الى شعبة “ظلم كبير” مديرية زراعة محافظة بابل، انتقدت تحويل هيئة النخيل في وزارة الزراعة الى شعبة، عادة ذلك “ظلماً كبيراً” بحق النخلة. وقال مدير زراعة بابل ثامر الخفاجي لشبكة رووداو الاعلامية ان “موضوع التمور يتعرض الى عدد من الأخطاء، الاول هو تغيير هيئة النخيل في الوزارة الى شعبة تابعة الى قسم النبات، وهو ظلم لكبير للنخلة في العراق”. واضاف الخفاجي ان “الامر الثاني هو قضية التجاوزات والتجريف على بساتين النخيل”، مشيراً الى “عدم وجود قانون رادع وقوي يردع المتجاوزين، خصوصاً المجاورة لحدود بلديات الاقضية والنواحي”. مدير زراعة بابل ثامر الخفاجي، لفت الى ان “الامر الثالث هو غياب الاهتمام بمحصول التمور بعد الانتاج من حيث الصناعة وتعليب التمر، واستمرار استيراد تمور خارجية”، عاداً تلك الأمور “تؤدي في المستقبل القريب الى اندثار هذا المحصول الوطني التاريخي المقدس”. مديرية الإحصاء الزراعي الحكومية قدّرت إنتاج التمور لعام 2020 بأكثر من 735 ألف طن، بارتفاع نسبته 15% عن العام الذي سبقه (2019). يذكر أن قانوناً صدر عام 1979 يقضي بأن من يزرع 50 نخلة أو شجرة في الدونم الواحد، فإن الأرض تصبح ملكاً له بحال أثمرت، لكن هذا القانون متوقف عن العمل الان.


ام عراقية تعبئ التمر

آفات وتسميد واستيراد
 من جانبه، قال مدير زراعة محافظة واسط، اركان مريوش، لشبكة رووداو الاعلامية، ان “انتاج محافظة واسط سنوياً من التمور يتراوح بين 200 الى 250 الف طن”، مبيناً أن “هنالك تذبذباً في الانتاجية بشكل عام، وليست مثل السنوات السابقة لعدة أسباب”. ولفت مريوش الى ان “من هذه الأسباب انتشار الآفات التي تصيب النخيل، وعدم وجود منفذ تسويقي للتمور، وفتح الاستيراد امام التمور الاجنبية، ما جعل الاسعار تتدنى، كما ان تكاليف الادامة من حيث التسميد والتنظيف ارتفعت، وبالتالي لا توجد جدوى من الانتاج، وبالتالي يقل اهتمام صاحب البستان بالنخيل”. مدير زراعة واسط، استدرك أن “هنالك اهتماماً مؤخراً بالأمر، من خلال دخول شركات خاصة بتصنيع التمور الى الاسواق، كما ان قرار الوزارة منع الاستيراد ساعد أصحاب البساتين على التصرف بشكل جيد بمحصولهم، لذا بدأت تتحسن مؤخراً وترتفع معدلات الانتاج وتقل الأمراض”، مؤكداً أن “اهتمام الدولة ضروري لهذا القطاع الحيوي والمهم”. وكان العراق في صدارة المنتجين للتمر في العالم قبل عقود؛ لكن إنتاجه الان بات لا يتجاوز 5% من الإنتاج العالمي. وزارة الزراعة العراقية أعلنت عن تصدير 200 ألف طن من التمور خلال تشرين الأول 2021 إلى العديد من الدول، من ضمنها مصر والمغرب والهند وإيطاليا وهولندا.


فلاح يعاين محصله من التمر

وأكدت وزارة الزراعة في وقت سابق، أن الزراعة تشكل بين 4 – 5% من الناتج القومي العراقي، ويمكن العمل لرفعها لمستوى 20% بمزيد من الدعم الحكومي وتوفير المياه. يعدّ العراق، الغني بالموارد النفطية، من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، وفق الأمم المتحدّة، خصوصاً بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في مرحلة من فصل الصيف خمسين درجة مئوية. وتراسل الحكومة العراقية باستمرار كلاّ من طهران وأنقرة للمطالبة بزيادة الحصّة المائية للعراق من نهري دجلة والفرات، الا ان هاتين الدولتين لم تستجيبا لطلبات العراق المتكررة بهذا الصدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *