هل ينجح السيستاني في كسب شباب الموصل   أسعد البصري  

 

الشيعة مصرون على محو الهوية السنية من العراق ونحن نريد وظائف، نحمي الطريق السريع من بغداد إلى الأردن، نتطوع في القوات المسلحة، نرفع رايات الحسين بن علي فوق بيوتنا.

 

كتبت لي علياء السامرائي، صديقتي بالفلوجة، أنها قبل الاحتلال كانت تشتري حاجيات للبيت من بائع متجول من أهل الكوت، وتساعده بما تيسّر، وتتابع السيدة علياء بأنه عندما وقعت أحداث الفلوجة اضطرت إلى اللجوء إلى الكوت مع جيرانها الذين لديهم معارف هناك، وصدفة رآها الرجل المسن الذي كانت تساعده، فأحسن إكرامها مع أهلها ولم يقبل منهم أجرة البيت، وعندما جاء محرم وعاشوراء صارت علياء تلبس السواد مثلهم وتلطم، وتقول بأنها تفعل ذلك خجلا منهم واعترافا بالجميل.

 

رسالة أخرى من طالب طب من الموصل يدرس في كركوك “أستاذ أسعد، أنا الآن ضمن طلاب جامعة الموصل متوجهين من كركوك إلى كربلاء، في زيارة إلى العتبات المقدسة نظمتها الحوزة الشيعية بالتنسيق مع جامعة الموصل .. عددنا يتجاوز الـ200 طالب. وحين سألته كيف قبلت الدعوة؟ قال: كتاباتك الأخيرة حول التعايش”.

 

وحين وصل هذا الشاب إلى كربلاء أرسل إلي صورا ورسالة أخرى تقول “التقى بنا السيد جعفر الموسوي وكان طول وقت اللقاء يتحدث عن الوطنية. قال كل مكان في العراق هو ملك لكم، وكان بسيطا متواضعا وقدموا لنا هدايا، وغدا كذلك عندنا زيارة للعتبة الشريفة”.

 

رسالة من طالب آخر تقول “كل شيء مدفوع ومبيتك في ‘مدينة الزائرين’، وهي أرقى من فندق 5 نجوم. يجمعوننا كلنا شبابا من كل العراق. يقدمون أفضل الوجبات، وفي العصر نذهب لسماع محاضرة لسيد بالحسينية.. المنظم للزيارة وحلقة الوصل بين العتبة وطلاب جامعة الموصل هو طالب كبيسي من أهل الفلوجة”.

 

فوج “كافل زينب” يدعو أهل الفلوجة إلى التطوع للحشد عبر لافتات كتبها على جدران المدينة للمشاركة في معارك الموصل. معظم الشباب صاروا مع الحشد.

 

حالات الغموض تؤدي إلى دوار، وفي النهاية إذا لم يقم الشعب بفتح ورشات مستقلة للعقل والفكر، قد ينقرض ويختفي من الوجود، حين تكون الأخطار حقيقية على مستقبل شعب ما ووجوده لا يعود هناك جدوى من الغش.

 

مثال ذلك هل هدد الشيعة منذ 2003 العقيدة والهوية السنيتين في العراق؟ نعم بكل تأكيد هددوهما علنا وعلى الصعيد الرسمي والإعلامي والثقافي، فمع انقضاء السنوات صارت هذه العقيدة بحاجة إلى بركان للإعلان عن نفسها.

 

لم يكن الوطن في خطر لتظهر ثورة وطنية مثلا، ولم يكن الإنسان العراقي في خطر لتظهر ثورة اجتماعية.

 

الذي كان في خطر حقا هو التوحيد والمسجد السني. الهوية العتيقة التي حكمت البلاد على مدى قرون طويلة كانت تئن تحت ضربات الوجدان الشيعي الظافر، لهذا ظهر داعش من ظلام الليل السني، للدفاع عن “سلعة الله” لأنها غالية كما يقولون.

 

لتشارك في معركة الموصل اليوم وأنت عراقي تحتاج أن تضع قلبك في مكان ما. فإما أن تضعه في صدر داعش وإما أن تضعه في الصدر الشيعي، لأن الدول غير معنية أصلا بهذا الصراع علنا، فهي متورطة بالهوية وظهور التطرف السلفي وتعاني اتهامات عالمية.

 

السعودية مثلا، أغلقت مدارسها الدينية عبر البحار، وأوقفت دعمها للتبشير السلفي، وألقت بالدعاة المتطرفين في السجون.

 

فأين يضع السني العراقي قلبه في معركة عقائدية كهذه؟

 

لا يوجد سوى الصدر الشيعي، ومن الطبيعي أن تكون مشاركتنا في القتال فاترة، فالخطأ يبدأ بسبب الغش السياسي.

 

الشيعي يكذب ويقول نحن لم نهدد الهوية السنية في العراق، والسني يقول بأن داعش لا يمثل السنة وهذا فيه كلام كثير، فكل سنة العالم اليوم بفنانيهم ومنشديهم وشعرائهم لا يستطيعون خلق نشيد واحد من أناشيد” الدولة الإسلامية”.. إنه صوت خارج من أعماق التاريخ السني ومن معاناة هوية نازفة.

 

أناشيدهم تشبه أناشيد اليهود في العهد القديم، تلك الترانيم والمزامير التي كتبوها في السبي البابلي الرهيب فما العمل إذن؟ لماذا تحتفظ بهوية تخلت عنها مراكزها التاريخية؟ ثم أن العراق ليس مركزا سنيا بل تاريخيا هو مركز التشيع في العالم.

 

ما الفائدة من الدفاع عن “سلعة الله”؟ إن الدخول إلى صدر الوطن العراقي اليوم صار يمر بالصدر الشيعي ونحن سنتعلم مع الزمن الهتاف بحماسة لانتصارات الرايات الشيعية على رايات التوحيد.

 

الشيعة مصرون على محو الهوية السنية من العراق ونحن نريد وظائف، نحمي الطريق السريع من بغداد إلى الأردن عبر الرمادي، نتطوع في القوات المسلحة، نرفع رايات الحسين بن علي فوق بيوتنا.

 

شعوب كثيرة اضطهدت وصمدت عبر العصور مثل اليهود. لكن المشكلة أن وضعيتنا فريدة من نوعها، في البداية قلنا نحمل مظلومية ونطالب بحقوق، بعدها ظهر داعش من أعماقنا، فمن يتعاطف مع شعب خرجت منه فرقة تعطي الطفل مسدسا ليقتل أسيرا ويصيح “الله أكبر”؟

 

آية الله السيستاني حين يدعو طلاب جامعة الموصل على حسابه إلى زيارة كربلاء ليس ترفيها فقط، هو يعرف تماما المشكلة فحين يكون هناك تنظيم مثل داعش، ينضح خطابات كراهية وأفكارا إجرامية، ولكن بأناشيد متميزة وحماسة في القتال، هذا معناه أن السيستاني عرف أن هناك شبابا عباقرة يقعون ضحية مشايخ مجرمين ويتم استغلال النبل الفطري وتحويله إلى أداة قتل وكراهية.

 

السيستاني نظر إلى أحياء الموصل والفلوجة فوجدها بيوتا ضخمة وحدائق غناء وشوارع نظيفة، فهل هذه مناطق ثورة؟.. إنهم يشعرون باضطهاد شيعي ثقافي، وإلا كيف يأتي سكان بيوت الصفيح والطين لإخماد ثورة في هذه الأحياء الراقية؟ لهذا أمر بأن تتحرك الحوزة تجاه شباب الموصل والسنة عموما لكسبهم.

 

في معركة تحرير الموصل رأينا جنرالا من شرق الموصل يستل سيفه العسكري ويقدمه هدية للجنرال الشيعي عبدالغني الأسدي لأنه حرر المدينة من المتطرفين السنة. إن ما في هذا المشهد من رمزية يكفي لأن نفهم مستقبل العراق كبلد شيعي.

 

كاتب عراقي

أسعد البصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *