كوثراني الشيعي اللبناني ومهزلة تسويق سني عراقي   هارون محمد  

 

الكثير من سياسيي الصدفة والمحسوبين على السنة، حاولوا تجريب حظوظهم عبر زيارة الرجل الثاني في حزب الله، لإيجاد مكان لهم في الساحة السياسية، ولكنهم أخفقوا في تثبيت منزلة سياسية محترمة لهم أو كسب تأييد شعبي في مناطقهم.

 

إذا صحت الأنباء التي انتشرت عن لقاء جمع بين مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، ورئيس منظمة “سفراء من أجل السلام” جمال الضاري، خلال زيارة الأخير إلى بيروت مؤخرا، على رأس وفد ضم عضو مجلس الحكم الانتقالي السابق عن الخـانة الشيعية وائـل عبداللطيف وآخرين، فإن مثل هذه اللقاءات لن تسفر عن نتائج تخدم مصالح أو رغبات الطرف الذي سعى إليها وتوسل لعقدها، لأنها ببساطة غير متكافئة وتفتقر إلى التوازن السياسي.

 

وصحيح أن كوثراني صاحب نفوذ واسع على أحزاب السلطة والميليشيات الشيعية في العراق، وسبق له أن لعب دورا كبيرا في لملمة البيت الشيعي الذي كاد أن يتهاوى في نهاية أغسطس 2014 عندما أخفق زعيم حزب الدعوة نوري المالكي في نيل الولاية الثالثة، إلا أن الحالة مع جمال الضاري تختلف لاعتبارات عدة أبرزها أن الأخير، لا يملك وزنا سياسيا مؤثرا في العراق رغم الدعم المالي القطري المتواصل له، وليس له حضور فاعل في بيئته السنية، إضافة إلى أن المنظمة التي يرأسها ناشئة وجديدة وتحتاج إلى المزيد من الوقت والجهود للتعريف بها وانتشارها، فالمال وحده لا يكفي لإنتاج حزب أو مشروع سياسي، وتأييد كوثراني الشيعي لا يكفي لتصنيع زعيم سني، إذا لم تكن له حاضنة شعبية يستعين بها ويعتمد عليها في طرح أفكاره وتطلعاته، وهذه العوامل تفتقر إليها منظمته، التي يقتصر نشاطها على نفي انتسابه إلى هيئة علماء المسلمين وتبرير خروجه منها.

 

وليس من السهل على كوثراني، الذي يحج إلى مكتبه في الضاحية الجنوبية من بيروت العشرات من السياسيين العراقيين الشيعة أسبوعيا لتلقي التوجيهات والتعليمات، تأهيل السني جمال الضاري لإشراكه في العملية السياسية في العراق القائمة على المحاصصات الطائفية والعرقية التي حددت نسبها وطبيعة المشاركين فيها منذ الاحتلال الأميركي، مهما قدم الأخير من تنازلات سياسية ومكافآت مالية، وقد حاول الكثير من سياسيي الصدفة والمحسوبين على السنة، تجريب حظوظهم، عبر زيارة الرجل الثاني في حزب الله واللقاء به، لإيجاد مكان لهم في الساحة السياسية، ولكنهم أخفقوا تماما في تثبيت منزلة سياسية محترمة لهم، أو كسب تأييد شعبي في مناطقهم، رغم أنهم دفعوا الملايين في سبيل ذلك، وكانت النتيجة أنهم خسروا (المشيتين) كما يقول المثل الشعبي العراقي، فهم لم يحصلوا على مرادهم كما كانوا يطمعون، ولم يجدوا من يقف معهم، مع أن بعضهم أصبح نائبا برلمانيا أو مسؤولا حكوميا، ولكنه ظل على الهامش معزولا عن بيئته السنية التي تتحسس جدا من تدخلات أو وساطات قيادات شيعية، سواء كانت عراقية أو إيرانية أو لبنانية، في مساندة شخص سني ومعاونته لتبوء موقع سياسي أو تسلم منصب حكومي، كما أن الأوساط الشيعية المتنفذة ذاتها، تستخف بالسني المنبطح لها والمتعلق بأذيالها، والدلائل كثيرة وأبرزها حكاية النائب التعويضي مشعان الجبوري.

 

ومشكلة جمال الضاري أنه يريد حرق المراحل للوصول إلى الهدف الذي يتطلع إلى تحقيقه في إيجاد موطئ قدم له في العملية السياسية على عيوبها، ولكنه لم ينتبه إلى جملة من المعطيات السياسية التي لو التزم بها لربما هيأت له مدخلا لتحقيق ما يصبو إليه، منها أن يتمسك بماضيه القريب في هيئة علماء المسلمين ولا يتبرأ منه مقابل أن يرضي الآخرين.

 

فالهيئة، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، سجلت حضورا لافتا في الوسط السني العراقي منذ الشهور الأولى للاحتلال الأميركي وأصبحت رقما صعبا في المعادلة السياسية، وصحيح أنها فقدت بعض بريقها عقب رحيل قائدها الشيخ حارث الضاري وتولي نجله مثنى رئاستها، وهو لا يملك زخم والده رحمه الله، إلا أن الهيئة مازالت تحظى بتأييد فئات من السنة العرب، وقبل أيام اعترف واحد من ألد خصومها ويدعى خالد الملا، على شاشة فضائية عراقية، بأن الهيئة لها جمهور وناس، ودعا أصحاب وثيقة التسوية الشيعية إلى الحوار معها، مؤكدا أن بقاءها مع البعثيين خارج العملية السياسية، لن يضمن نجاح المصالحة الوطنية في العراق.

 

إن نشر مقالات في الصحف الأميركية على شكل إعلانات مدفوعة الثمن مسبقا، كما فعل جمال الضاري أكثر من مرة، لا جدوى منه، ولن يفيده هذا النشر سياسيا أو إعلاميا، لأنه يخاطب الخارج الذي لا يعنيه من هو جمال أو غير جمال من السياسيين العراقيين، حتى لو كتب أو كُتبت له المئات من المقالات، فهي لا تجد من يقرأها من العراقيين، كما أن جهوده في التقرب إلى جنرالات أميركيين سابقين وسفراء متقاعدين، لن تثمر شيئا نافعا له، لأن السياقات المعمول بها في أميركا سابقا وحاليا، تؤكد أن من لا يملك موقعا أو مسؤولية الآن، لا تأثير له في الأوساط السياسية أو الحكومية ببلاده، وينظر إليه هناك كموظف سابق أدى وظيفته وانتهت خدماته.

 

علما وأن عددا من هؤلاء الجنرالات والسفراء المتقاعدين ممن عملوا في العراق، وبعضهم دعاه جمال الضاري إلى مؤتمره الباريسي في الصيف الماضي، تحولوا إلى وسطاء تجاريين يحملون حقائب “السمسونايت” ويتنقلون بين أربيل والسليمانية يبحثون عن عقد أو مناقصة، قد يوصي بإحالتها عليهم رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني أو هيرو إبراهيم أحمد، زعيمة حزب الاتحاد الوطني.

 

جمال الضاري واهم، إذا اعتقد أن كوثراني أو أي سفير أميركي سابق مثل كروكر، قادران على فرضه سياسيا في العراق، وهو لا ذكر له ولا أثر، حتى في وسط عشيرته (زوبع) الباسلة، التي عانى شيوخها وشبابها ومضاربها في أبوغريب من رصاص الغزاة الأميركيين، الذين يتوسل بهم الآن، هذا الزوبعي الذي فقد ظله، ويناشدهم تسليح الســنة، وكأن جيبوتي احتلت العراق ودمرته وليست أميركا.

 

كاتب عراقي

هارون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *