سرمد كوكب الجميل يكتب:اوراق اقتصادية.. الدينار العراقي بين القوة والوهن

تتباهى الدول بعملاتها وتعدها رمزا من اهم رموزها ويكفي استعراض ومراجعة تاريخ العملات ليكتشف القارئ اصالة بعض العملات وقوتها وتاريخها وضعف البعض الاخر ووهنه وخواؤه، وغالبا ما يقال قوة الدولة بقوة عملتها، وقد كانت هناك الكثير من الدعوات في كثير من دول العالم ولاسيما في عقد الثمانينات للتخلي عن العملات الوطنية وتبني الدولار ولاسيما بعض دول امريكا اللاتينية، ولكن باءت كلها بالفشل وعادت الدول لتدعم عملاتها وتقويها عبر سياسات وبرامج اقتصادية ونقدية .


وعند الحديث عن الدينار العراقي لا بد من التذكير بتاريخه العريق والعظيم عبر خمسة عقود من الزمن وتكاد تكون تكون بداية انخفاض قيمة الدينار سنة ١٩٨٢ واستمرت عملية انخفاض القيمة لغاية اليوم؛ انها تشكل قصة دراماتيكية عاشها المجتمع طيلة الاربعين سنة الماضية فقد تحملناه صاغرين الا ان ما يهم هو مستقبل الدينار وقيمته فهل خفض قيمة الدينار ام رفع قيمته واعادتها الى ما كانت عليه ( دينار = ٣$) … هي لصالح الاقتصاد والمجتمع وكيفية تقيم الحالة الافضل؟ هذا السؤال يعود لفلسفة الحكومة وسياساتها وبرامجها لسنوات تجاه سعر الصرف، ولكن يبقى الامر حبرا على ورق لان ليس هناك من يؤمن بهذا الطرح وحجتهم ان ارتفاع قيمة الدينار ستقود الى ارتفاع الاسعار وصعوبات في الانتاج وعدم قدرة المنتج العراقي على المنافسة الدولية وربما تعطل القطاعات الانتاجية وغيرها من المبررات.

ان حال الدينار ليس كحال عملات اخرى فالعملات قد تنخفض بنسب معينة بسيطة لا يمكن مقارنتها بالدينار العراقي البتة نعم يمكن مقارنة الدينار ببعض العملات مثل اللبنانية او السورية او اليمنية وايضا قد تسقط المقارنة لسبب بسيط مفاده ان العراق دولة نفطية فيما تلك الدول غير نفطية، و لقد كان انخفاص الدينار لالاف المرات ( ٥٠٠٠ مرة ) من ٣١٠ فلس للدولار سنة ١٩٨٠ الى ١٤٦٠ دينار للدولار الواحد في سنة ٢٠٢١ طيلة اربعين سنة ومن هنا تسقط كل المقارنات والتبريرات،

فالدينار حالة فريدة بين عملات دول العالم ومن هنا يمكن طرح فرضية مفادها: امكانية عودة الدينار الى قيمته السابقة او ما يقربه منها لنتمكن من مقارنته بنظرائه من العملات الاخرى.


يبدو لي ان رفع قيمة الدينار لا تؤثر في الانتاج ولا في المنافسة الدولية للمنتج العراقي بل العكس سيدعم الانتاج ويفتح افقا للاقتصاد بكل مؤشراته ولكن هذا يتطلب استقرارا سياسيا واقتصاديا ليتسنى اصلاح النظام المالي والمصرفي وخلق الثقة للمتعاملين وافراد المجتمع والدفع بزيادة الطلب على الدينار من خلال سعر الفائدة وعوامل الجذب وهذه تعد مسالة معقدة بطبيعتها ومضمونها الاجتماعي والاقتصادي والمالي اذ ليس من السهولة اعادة الثقة المفقودة بالنظام المالي والمصرفي وحتى اذا استوفي الشرطان فمن الصعب فك تعامل المجتمع بالدولار بعد ان وجد المستثمرون والمدخرون ضالتهم بالدولار بوصفه عملة دولية مستقرة قياسا بالدينار وعلى الرغم من ذلك لا بد من خلق البيئة التنافسية وطرح المحفزات للتعامل بالدينار وتقديم ضمانات مصرفية للمدخرات والائتمانات حال تعرضها لاية مخاطر وتبقى مسالة غاية في الاهمية وتكاد تكون المرتكز لتقييم سعر صرف الدينار وهي عرض النقد اذ لا بد من السيطرة على عرض النقد سيطرة تامة باشكاله الثلاثة التي يعرفها الاقتصاديون ولا يمكن السيطرة على عرض النقد الا من خلال نظام مصرفي كفوء وفاعل بمؤسسات مصرفية لا بقالة صيرفة.


اما ايهما انفع للمجتمع سعر الصرف الحالي ام سعر الصرف المعدل ٣$= دينار ؟ ان تقييم سعر صرف الدينار لا بد ان يتم من خلال السوق المالي وبادواته وعملياته ومؤسساته وليس بقرار حكومي وهذا يحتاج لزمن طويل ولكن ليس هناك نية فهناك بون شاسع بين الفقر والغنى وبين القوة والوهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *