نقلة شطرنج روسية في انتظار ترامب حامد الكيلاني

 

روسيا تسعى إلى قص بعض ريش المشروع الإيراني الطائفي في سوريا وإلزامه القبول بسياسة الأمر الواقع بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة، لذا فإن المراوغة الإيرانية رفقة النظام الحاكم في سوريا حاضرة في خرق اتفاق وقف إطلاق النار الشامل.

 

الأشهر القليلة التي سبقت إعلان فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، كانت سباقا لإدارة باراك أوباما لتدارك الانسحاب أو التراجع الواضح المعالم في الساحة الدولية، وتحديدا من الصراع الواسع في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران، وما حصل بملء الفراغ من قبل روسيا على الأرض السورية.

 

جرى تدافع في الإملاءات الأميركية رغم ترددها وازدحمت بانتظار فتح بوابة الإدارة الجديدة لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وكانت التوقعات تصب في صالحها وبدا الأمر حاسما وكأنها المرشح الوحيد وما إعلان النتائج في لحظاتها الأخيرة إلا إجراءات شكلية؛ الصدمة بفوز ترامب تم الإعداد لها نفسيا بما أدى إلى انهيارات في الثقة بالديمقراطية وبنتائج الاستطلاع وهي مؤشرات معتمدة في مراحل الانتخابات للرئاسة الأميركية.

 

فوز هيلاري كلينتون والترويج له كقناعة مطلقة وبدعم الرئيس أوباما لحملتها الشاقة والطويلة بما كانت تطرحه من معالجات لمختلف القضايا ومنها ما يتعلق بسياسة أميركا الخارجية ودورها في إرساء الأمن والسلام العالمي، شكلت بمجملها مرحلة ثانية لرؤية الحزب الديمقراطي، كما لو كانت ورقة واحدة بوجهين مختلفين، تم النظر إلى هيلاري كتكملة لفترة أوباما لكن بتجاوز النصف الأول أو ثلثي المسرحية أو الرواية، أي أن فترة هيلاري تكون بداية النهاية لتفكيك الأزمات والعمل الجاد لإعادة أميركا بحزبها الديمقراطي إلى واجهة الأحداث كدولة عظمى في تأثيرها العملي على مجريات السياسة والاقتصاد.

 

إخفاق هيلاري كلينتون وفوز دونالد ترامب أربكا تماما الإدارة الأميركية في فترة الحزام الناقل بين إدارتين، بما أعاد للدولة العميقة حضورها في الأذهان، لكن أوباما سعى إلى تكثيف نشاطه بعد إجازته الطويلة المسترخية بقرارات كشفت رغبته في أيامه الأخيرة بإنجازات تعذرت عليه طيلة حكمه. أميركا بعد إعلان فوز ترامب، وبعيدا عن مع أو ضد، تضرر فيها الحزام الناقل نتيجة لحركة بعكس اتجاه السير بما تسبب في فوضى انعكست سلبا على مخاطر صلاحيات الرئيس، أيّ رئيس لأميركا، على حساب مفهوم الدولة العميقة، وهنا نتحدث عن أهمية دولة مثل أميركا.

 

إذا كانت أميركا في الفترة الأخيرة لأوباما استعجلت مثلا معركة الموصل كجزء من الحرب على الإرهاب وبتفاصيل مداخلات متعددة ومتقاطعة في ملفات المنطقة، فإن ترقب الإدارة الجديدة لدونالد ترامب بالأسماء المطروحة سرع من وتيرة الأداء الروسي في الملف السوري على غير المتوقع، وبدت روسيـا متحررة تماما في مواقفها حتى من محور حليفيها النظام الإيراني والنظام السوري، إيران كمجموعة ميليشيات فاعلة، وحاكم لا يتورع عن قتل وتهجير شعب من أجل الحفاظ على مكاسب البقاء في الحكم.

 

بهذا المنظور روسيا ومن هم بضمانتها في وقت إطلاق النار على الأرض السورية، يتصرفون أو يجب عليهم أن ينقادوا للإرادة الروسية والتعامل بحذر بين رفض وقبول الاتفاقيات الثلاث في الإجراءات والتمهيد لمفاوضات الأستانة؛ تتابع مجريات السباق على توقيت الساعة الروسية وتصريحات الكرملين من الرئيس فلاديمير بوتين، إلى وزير الخارجية سيرجي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويغو تبدو بحركة دؤوبة ونشطة يراد لها أن تجد موطئ قدم راسخ في عملية سلام تتنازعها أطراف الصراع كل باتجاه، وسط تحالف دولي يؤدي مهمته في الحرب على الإرهاب؛ لكن بالمقابل هناك صمت غير مألوف لم نعتد عليه سواء من حكام إيران أو سوريا وملحقاتهما من قادة الميليشيات الطائفية.

 

روسيا دولة كبرى لها أولوياتها ومصالحها ولها بمعنى آخر معدل حدود لسقف أهدافها، وإن كانت ضرباتها الجوية والصاروخية واستعراضها العسكري لقوتها تطابق مع إرهاب الميليشيات الإيرانية وإرهاب النظام الحاكم في سوريا، لكنها بمعزل عن الانتماء الطائفي الذي يسيّر الإبادات الممنهجة للمدن وساكنيها، لذلك أصبحت بعد مرحلة حلب، خاصة بعد مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة، معادلا موضوعيا في توازن الاستقطاب الطائفي مقابل ما تمثله إيران ككيان طائفي في الصراع السوري.

 

الهوس الطائفي في المنطقة، روسيا غير معنية به إلا بما يمكن الإشارة إليه في حربها ضد الجماعات الإسلامية المتشددة في محيطها، وندرك أسرار العلاقة في الإصرار على إبقاء الحاكم السوري ودعمه طيلة السنوات الماضية وهو دعم مشروط بتلبية الأوامر دون الخروج عن النص؛ لمسنا ذلك في طريقة استقدام الحاكم السوري إلى موسكو، وأيضا في سحب وإعادة العديد من القوات الجوية في مارس 2016 كدرس أو قياس لما يمكن أن ينتج لاحقا عند إغضاب القيادة الروسية.

 

ما يحصل نوجزه بحركة تسريع في وقائع الزمن وحشرها في الأيام القليلة القادمة لتهيئة مسرح عمليات السياسة الدولية لاستقبال لمسات الرئيس دونالد ترامب في بداية العرض يوم 20 من يناير الحالي؛ ما جرى من طرد الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة ورد الرئيس بوتين عليها يمثل نقلة شطرنج روسية متأملة بالعلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة والمعطيات في تصريح ترامب واستحسانه لها.

 

سياسة أميركا “بزنس” أولا تؤكد لنا أن الرئيس دونالد ترامب لن يتأخر أبدا في تقرير إرادته الأميركية الشعبوية عالميا، أي في سياسة بلاده الخارجية، والحرب على الإرهاب ووضع حد لحيادية أو لامبالاة لم تعد تليق بأميركا.

 

سيتجه ترامب في بداية حكمه وعلى غير المتوقع كما يظن الكثيرون، بأن رسم سياساته سيحتاج إلى فترة أولى تستغرق ربما شهورا أو سنة من بداية دخوله البيت الأبيض؛ لكن قراءة شخصية الرئيس تبين لنا أنه ثمة مزاد عالمي مطروحة فيه قضايا ملحة على منصة نداء العد الأخير لإرساء المزايدات قصيرة النفس للتخلص من “أنتيكات” سببت الصداع المزمن والإشكالات لرأس هذا العالم.

 

روسيا تسعى إلى قص بعض ريش المشروع الإيراني الطائفي في سوريا وإلزامه القبول بسياسة الأمر الواقع بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة واحتمالات توجهات سياساتها، لذا فإن المراوغة الإيرانية برفقة النظام الحاكم في سوريا حاضرة في خرق اتفاق وقف إطلاق النار الشامل، وتحديدا في وادي بردى وبلداتها، والمماطلة ثم ما يتبعها من توقف ثم خرق ومعهما تغيب كل الأصوات إلا الصوت الروسي كطرف ضامن.

 

ملالي طهران براغماتيون وحالهم بين ظاهر وباطن في تماديهم في إنشاء الجيش الطائفي من تشكيلات بتسميات مختلفة لميليشياته، كالحشد الشعبي في العراق أو الفيلق الخامس اقتحام في سوريا أو تشكيلاته في اليمن ولبنان، معظمها من أبناء الدول العربية المغرر بهم وبدمائهم وأسرهم لغايات مشروع غير قابل للحياة وبصلاحيات محدودة في طفرات زمنية معينة كما هو حال تنظيم الدولة داعش.

 

هل سنشهد تراجعا لإيران الميليشياوية لصالح تثبيت الإرادة العليا لروسيا كضمان لها تجاه متغيرات السياسة العالمية بعد تولي ترامب لمسؤولياته.

 

نظاما الحكم في إيران وسوريا يتقبلان الاتفاقيات الثلاث مجبرين حتما لأنهم كانوا، ومازالوا، يطمعون في إبادات وتغيير ديموغرافي شامل، سيحاولان جاهدين تصميم نموذجهما الطائفي بشتى الوسائل ومنها خلق الفرص لخرق الاتفاق. روسيا أيضا ستحاول تصميم دورها السياسي في مرحلة استقبال الإدارة الأميركية المقبلة، أو ربما تصميم غضبها قبل مؤتمر الأستانة أو بعده؛ نحن بانتظار هزات كبرى لعصا العالم أو ربما ذيله.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *