طلال الفتحي يكتب : حسابات الربح والخسارة في الصفقة الزراعية السعودية

بعيداً عن المعترضين والمؤيدين لاسباب سياسية، ما هي حسابات الربح والخسارة في صفقة الاستثمار الزراعي السعودي في الصحراء العراقية؟!، وهل هذه الاستثمارات مفيدة ام مضرة للجانب العراقي؟، هذه محاولة للاجابة على هذه الاسئلة البديهية من منطلق اقتصادي غير متحيز سياسياً.

مشكلة الصفقة

اول سؤال سوف يتبادر الى اذهاننا لماذا تريد ان تستثمر السعودية في بادية السماوة والانبار والنجف الموازية لبادية الجوف وحائل، ولا تستثمر في داخل حدودها؟!

الجواب من مجلس الوزراء السعودي نفسه، حيث دخل قراره رقم ٦٦ لسنة ٢٠١١حيز التنفيذ عام ٢٠١٨، ويقضي هذا القرار بايقاف زراعة الاعلاف وتحديد زراعة الحنطة والشعير بالحد الادنى بعد عدة عقود من التوسع في زراعة هذه المحاصيل، جاء ذلك بعد ان اكدت كل الدراسات الجيولوجية ان السعودية اهدرت كميات كبيرة من مياهها الجوفية الثمينة و غير القابلة للتعويض على زراعة هذه المحاصيل، لذلك قررت السعودية ايقاف استهلاك المياه الجوفية على هذه المحاصيل، وتوفيرها للمستقبل للشرب والتوسع السكاني، وقررت استئجار وشراء الاف الدونمات في بلدان الوفرة المائية في السودان واثيوبيا والارجنتين واوربا الشرقية، عبر استثمارات زراعية عملاقة تنفذها كبريات الشركات الزراعية السعودية امثال المراعي، وتبوك والزراعية وانعام القابضة.

هذه المعلومة يعرفها العراق جيداً وقد حذرت وزارة الموارد المائية يوم ٨/١١/٢٠٢٠ من خطورة هذه المشاريع على المياه الجوفية في البادية العراقية، واكدت ان خزين المياه الجوفية هو ثروة للاجيال القادمة ويجب ان يبقى لمياه الشرب ولا يستنزف في الاستثمار الزراعي الذي يحتاج الى سحب جائر من هذه الخزانات غير المتجددة.

حلول بديلة

من الناحية الاقتصادية تعتبر صفقة الاستثمار الزراعي السعودي صفقة تاريخية لا تعوض، ويجب عدم التفريط بها، ولكن يجب ان تُدار هذه الصفقة بحكمة من قبل الجانب العراقي عبر توجيه هذه الاستثمارات الى مناطق تُروى بموارد مائية متجددة مثل مشروع ري الجزيرة الشمالي القائم بالفعل في منطقة ربيعة غرب محافظة نينوى، ومشروع ري الجزيرة الشرقي في سهل نينوى، والذي تم انجاز اجزاء لا بأس بها منه قبل عام ٢٠١٤، ومشاريع ري الجزيرة الجنوبي وحصاد الامطار في سنجار والحضر على وادي الثرثار، كل مخططات هذه المشاريع جاهزة وكانت هيئة استثمار نينوى قد اعدت دراسات متكاملة قبل عام ٢٠١٤ حول الجدوى الاقتصادية من هذه المشاريع، يمكن ان تُعرض على الجانب السعودي للاستثمار او الشراكة، وبذلك يحصل العراق على منافع اقتصادية كبيرة مثل استصلاح اراضي زراعية جديدة وزيادة قدراته التخزينية للمياه العذبة، وتوفير الاف فرص العمل، وتوفير عملة صعبة للبلد عبر تصدير هذه المحاصيل الى السعودية ودول الخليج، كما لهذه المشاريع وبالاخص مشاريع حصاد الامطار فوائد اخرى متمثلة في تعزيز وزيادة المياه الجوفية عبر ما يرشح من هذه الخزانات السطحية باتجاه الخزانات الجوفية، بدل من استنزاف الخزانات الجوفية في المشروع المطروح حالياً.

لا تقتصر المياه المتجددة على محافظة نينوى بل هناك العديد من المحافظات العراقية التي تحتوي على اودية وانهار موسمية ومشاريع وخزانات ري قائمة بالفعل يمكن استثمارها واستصلاح اراضي زراعية جديدة فيها بشكل علمي يراعي عدم الهدر في مياه الري، ويراعي استدامة الموارد المائية وعدم استنزافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *