هذا الصمت الحكوميّ مريب! عدنان حسين
” لا خبر .. خبر جيّد” ، يقول الإنكليز .. لكنّ هذه القاعدة لا تتوافق مع حال زميلتنا الصحافية المخطوفة أفراح شوقي، فالخبر الجيد الوحيد هو أن تكون مطلقة السراح، عائدة بسلام إلى عائلتها وبخاصة طفليْها.. أيّ خبر غير هذا هو خبر سيّئ للغاية في الواقع.
أسوأ خبر ممكن هو أن يكون الذين خطفوا أفراح منذ أسبوع قد أنهوا حياتها، لكن هذا لا يعني أن عدم إقدام الفاعلين على عمل شنيع كهذا هو خبر جيد، لأنه من المحتمل أن أفراح تلقى الآن معاملة همجية على أيدي خاطفيها، بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي، وحتى الاغتصاب، وما الذي يمنع أن يفعل الخاطفون أشياء كهذه؟. ما الذي يردعهم عنها؟ .. مجرد اختطاف إنسان هو عمل غير إنساني ، واختطاف امرأة بالذات من بيتها وأمام طفليها هو عمل همجي من الطراز الأول لا يُقدم عليه إلا فاقد الذمّة والضمير، وفاقد الذمّة والضمير لا يتورّع عن اغتصاب مخطوفته، كما فعل داعش مع النساء ( بخاصة الإيزيديات) اللائي اختطفهن في محافظة نينوى وأباح لعناصره أن يغتصبوهنّ ويتناخسون بهنّ.
وحتى، لسبب ما وهو أمر مستبعد بقدر كبير، إذا تورّع الخاطفون عن أعمال مستنكرة كهذه فإنّ الاختطاف ومصادرة حرية إنسان يعني وضع هذا الإنسان في محنة مترعة بالأوجاع الحادة المتواصلة بلا انقطاع.
بالطبع لا يُلام الخاطفون على ما يفعلونه بأفراح شوقي الآن، فهذه هي مهنتهم التي يؤدونها بكفاءة عالية لقاء ما يتلقونه من أجور، لكن ماذا عن الأجهزة الأمنية والقضائية لدولتنا؟.. كلّ اللوم يتوجب أن يُوجّه إليها ،لأنها لا تؤدي مهنتها بكفاءة عالية.. بعد اليوم الأول للاختطاف غابت هذه الأجهزة عن المشهد.. لم يكلّف أحد من وزارة الداخلية أو قيادة عمليات بغداد أو أجهزة المخابرات والاستخبارات والأمن الوطني أو حتى الخليّة التي أمر رئيس الحكومة، القائد العام للقوات المسلحة، بتشكيلها، نفسه ليقول للرأي العام كلمة في خصوص قضية الاختطاف والإجراءات المتخذة لملاحقة الخاطفين. وجهاز الادّعاء العام الذي كان من المفترض أن يبادر هو أيضاً لمتابعة القضية ظلّ في حال السبات المعهودة عنه، ما يبقينا في حيرتنا الدائمة حيال هذا الجهاز: ما هي مهمته بالضبط؟.. حتى الكلام الذي صدر عن رئيس الوزراء في مؤتمره الصحافي الأُسبوعي لم يعكس إدراكاً عالياً لخطورة ما حصل لأفراح شوقي، ليس فقط بوصفها صحافية معروفة وأنما كامرأة يجري اختطافها في بلد تستنكر قيمه الاجتماعية أشدّ الاستنكار فعلة كهذه في حق امرأة بالذات.
الصمت البادي على أجهزة الدولة المعنية بقضية اختطاف الصحافية أفراح شوقي مريب للغاية.. هل هو راجع الى أن مَنْ قام بالاختطاف جهاز حكومي، أم أن وراءه جماعة مسلحة أقوى من الأجهزة الحكومية، أم هي جهة ما محميّة ومدعومة من جهاز حكومي أو جماعة مسلحة ؟
عدا عن الصمت فإن ممّا يبرّر طرح هذه الأسئلة أن عملية الاختطاف انطوت على الكثير مما يُفترض أنه يساعد الاجهزة الأمنية على ملاحقة الخاطفين والوصول اليهم وحلّ لغز الاختطاف.. الخاطفون نفّذوا عمليتهم برتل من السيارات وليس بسيارة واحدة، وهم كانوا بعدد كبير، والعملية تمّت في بيت الزميلة أفراح أمام أنظار عدد من أفراد عائلتها، وعملية الاختطاف لم تقتصر على المخطوفة وحدها وإنما الخاطفون أُخذوا معها سيارتها، وكانت هناك كاميرا قد صوّرت السيارات المستخدمة في عملية الخطف.. السؤال: ما الذي تريده الأجهزة الأمنية والقضائية أكثر من هذا لتسيهل أمر ملاحقتها للخاطفين؟ .. لم يبق غير أن يتقدّم الخاطفون بأنفسهم الى هذه الأجهزة للكشف عن هويّاتهم!!!
ما أهنانا بدولة كدولتنا!