التسوية .. و بـ ” الضرس المليان ” علي حسين

الجميع من نوّاب برلمان إلى مدمني فضائيّات ،  إلى مجاهدين متقاعدين  إلى  خطباء مساجد وحسينيّات  ، باتوا في رمشة عين  خبراء فى التحليل الستراتيجي، يتحدثون ”   بالضرس المليان  ” مثلما تحدّث أحد نواب المجلس  الأعلى الإسلامي قبل أيام ، وهو يشرح لنا معنى التسوية التاريخيّة  الذي لم يفهمه الشعب العراقي حتى هذه اللحظة ، مثلما أخبرنا النائب قاسم العبودي  الذي قال أيضا ” بالضرس المليان ” من أنه ومعه صحبه ” الميامين ” يريدون إعادة تأهيل المجتمع العراقي ، ليتكلم  بضرسٍ مليان بدلاً من  فمٍ مليان ،  وأعترف لكم أنّ مصطلح ” الضرس المليان ”  ليس  من ابتكاري ، فأنا سرقته مع سبق الإصرار والترصّد من النائب  صلاح العرباوي ، الذي أسعدني أنني اكتشفته ، بعد أن كنتُ شغوفاً بمتابعة خطب حنان الفتلاوي وصالح المطلك ، والسعي وراء مناظرات إبراهيم الجعفري ، وابتسامات جمال الكربولي وتقلبات موفق الربيعي ، الذي صحونا أمس لنجده يترك فراش الدعوة،   ليجلس على بساط المجلس الأعلى وهو يغرّد  مخاطبا العراقيين : إما أن تذهبوا إلى تسوية السيد عمار الحكيم أو إلى  الجحيم  ! وإنصافاً للسيد موقف الربيعي  يجب أن أخبركم أنّ هناك أوجه شبه بين نظريته السياسية ونظرية النائب قاسم العبودي  ، فالاثنتان تبتدآن وتنتهيان بعبارة واحدة  ” نحن بحاجة الى قادة يقودون الجمهور ” ،   للأسف ما كان يقال بالسرّ ، وعلى خجل أصبح يجهر به بالصوت العالي ما دامت هناك أسلاك شائكة يمكن أن تفصل بين السياسيين وهذا الجمهور المغلوب على أمره .
منذ سنوات ونحن نستمع إلى ساسة ، خطابهم واحد لايتغيّر :”  لقد ورثنا تركة ثقيلة ، اشكروا الله أننا خلّصناكم من نظام الطاغية ” ، جميعهم للأسف مثل منتجات المياه المعدنيّة التي امتلأت بها  أسواق العراق ، مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات ، وبالتالي حين يظهر نائب من اتحاد القوى وآخر من التحالف الكردستاني وثالث من التحالف الوطني تشعر بأنهم جميعا يحملون  نفس العقلية  المشوشة التي لم تتوقف يوماً عن محاولات خداع الناس بسفططات وتهديدات  ووعود كاذبة  تفتقر إلى أبسط عناصر البرنامج السياسي القادر على إقناع الجمهور بأنّ أصحاب مشروع التسوية التاريخيّة والمعترضين عليها قادرون على إحداث تغيير في حياة الناس، ولذا يلجأ هؤلاء الدعاة إلى الحديث عن الشعب الذي أساء فهم التسوية  ولم يستطع حلّ  شفراتها ، سياسيون يرفضون أن يفيقوا  ويعيشوا معنا في الواقع، بدلاً من العالم الافتراضي الضبابي الذي يتمسّكون به، بينما العراق يحترق  بسبب  تسوية ” الضرس المليان ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *