حصار مطبق على الموصل:حرب البطاطا والبصل تسبق حرب الشوارع في الجانب الأيمن * نقاش

 

الجانب الأيمن لمدينة الموصل ما زال في منأى عن الحرب التي تدور رحاها على الجانب الاخر، لكنه يواجه ازمة إنسانية متفاقمة نتيجة النقص الحاد في الغذاء بعد الحصار المطبق الذي نجم عن قطع الطريق إلى سوريا.

 

لفاطمة منزل كبير تسكنه مع عائلتها المؤلفة من (16) فردا ، فيه غرفة صغيرة مظلمة كانت حتى وقت قريب مهملة تسرح فيها الفئران والحشرات بحريّة، اما اليوم فهي القلب النابض في المنزل بفضل المواد الغذائية التي أودعت فيها، لاسيما بعدما تم قطع آخر طرق الإمداد لمدينة الموصل.

 

 

 

يكاد لا يخلو منزل بالمدينة من هذا المخزن الذي يسمى بلهجة الموصل المحلية (بيت المونى) اذ حرصت العائلات هناك على خزن ما تستطيع من مواد غذائية فيه تحسبا للحصار الذي يبدو انه سيطول بسبب الظروف المعقدة التي تحيط بالعمليات العسكرية، لكن السكان المحليين في الجانب الايمن بدأوا مرحلة العد التنازلي لمخزوناتهم قبل بدء عمليات التحرير.

 

 

 

فاطمة المرأة الستينية أحكمت قفل باب المخزن وأعلنته منطقة محرمة للحفاظ على ما فيه من عبث أبنائها وأحفادها، “قبل شهرين اشتريت بكل ما املك من مال مواد غذائية وقد علم أبنائي ان قراري كان صائبا عندما تضاعفت الأسعار أربع مرات في الأسبوع الأول على الحصار”.

 

 

 

من يفرض الحصار؟

 

بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل في حزيران (يونيو)2016 انقطعت الطرق التي تصلها بالمحافظات العراقية الأخرى، وبقي طريق واحد يربطها بسوريا عبر مدينة الرقة وكان الطريق المذكور لنحو سنتين ونصف شريان الحياة للمدينة يغذيها بما تحتاجه من مستلزمات غذائية وأدوية ومشتقات نفطية وغيرها، وفي نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تم قطع هذا الشريان عندما تمكنت قوات الحشد الشعبي من السيطرة على الاجزاء الغربية والجنوبية للمحافظة.

 

 

 

الطريق يمر في منطقة صحراوية وصولا إلى مدينة الرقة، وقد تم قطعه اثر وصول قوات الحشد الشعبي إلى أطراف بلدة تلعفر ثاني أهم معاقل تنظيم داعش.

 

 

 

التاجر ابو علي قال لـ”نقاش” عبر اتصال هاتفي إن آخر قافلة شاحنات وسيارات استطاعت المرور نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) بعدها اندلعت اشتباكات عنيفة بين عناصر التنظيم ومقاتلي الحشد الشعبي في منطقة عداية (50 كلم) غرب الموصل أدت الى حرق قافلة صهاريج محملة بالوقود، منذ ذلك الحين لم يجرؤ احد على العبور على الطريق لان المنطقة أصبحت ساحة حرب.

 

 

 

الامطار هي الاخرى تساهم في إطباق الحصار، ثمة طرق نسيمية تحاذي الطريق الرئيس، لكنها تصبح غير سالكة في موسم الأمطار، لذا فان المدينة دخلت حالة إنذار مبكر بعدما تضاعفت أسعار السلع المستوردة من سوريا خاصة الغذائية ووقود السيارات والتدفئة والأدوية، يضيف ابو علي.

 

 

 

البورصة والكورنيش ينذران بجوع وبرد

 

للوهلة الأولى لم تلاحظ فاطمة تغييرا واضحا في البورصة أهم منطقة تجارية بالجانب الأيمن، فالتجار الصغار هناك ما زالوا يفتحون دكاكينهم وعندما اقتربت أكثر اكتشفت ان البضاعة الموجودة شحيحة جدا ولم تعد الشاحنات تجلب البضاعة إلى السوق.

 

 

 

الاهم من ذلك ارتفاع الأسعار الى مستوى غير مسبوق، مثلا أسعار الرز والطحين والبقوليات ارتفعت بنسبة تفوق (200) في المئة، اما علبة السجائر التي تباع سرا قفزت الى ما يعادل سبعة دولارات بعدما كانت بدولارين فقط، بينما الوقود تضاعفت أسعاره خمس مرات والمشكلة انه غير متوفر، لقد صار سلعة نادرة.

 

 

 

المحال والدكاكين الصغيرة في المناطق السكنية بدأت تغلق أبوابها، لم يعد فيها ما يؤكل بينما الأسواق تدق ناقوس الخطر، كل ما يتم بيعه وشراؤه من غذاء هو مخزون. “ما كنا نخشاه حصل لقد بدأ الحصار الحقيقي، احرصوا على كل حبة رز وذرة طحين وقطرة وقود، الله وحده يعلم متى الفرج”، قالت فاطمة لأولادها ما ان عادت الى المنزل محملة بأكياس صغيرة من المواد الغذائية.

 

 

 

تنظيم داعش ما زال يسعى لإحكام سيطرته على زمام الامور في الموصل حيث اعتقل اكثر من عشرين تاجرا من البورصة بسبب ارتفاع الاسعار، ثم اصدر مقطع فيديو بدقيقة واحدة يصور جانبا من سوق البورصة ويظهر فيه شابا يشيد بحملة الاعتقالات قائلا :ان “التجار ارادوا احتكار البضاعة ليبيعوها فيما بعد بسعر خيالي، الا ان ديوان الحسبة قاموا بعمل جيد عندما عاقبوا بعض التجار”.

 

لا توجد نار للطبخ

 

أزمة الغذاء في الموصل لها بعد آخر، اذ ان المدينة تواجه أزمة وقود خانقة، هنا تقول فاطمة وهي ربت بيت تقضي جل وقتها في المطبخ ، “صرت احمل على كتفي جبلا من الهم عندما يحين وقت الطبخ، عين على بيت الموني واخرى على اسطوانة غاز الطبخ الذي يوشك ان ينفد، علما انني بدأت منذ ايام بإعداد الطعام بطريقة بدائية” أي على الحطب.

 

 

 

المشتقات النفطية كانت تصل من الرقة وقد انقطع هذا السبيل وقبله انقطع النفط الخام الذي كان يستخرج من ابار ناحية القيارة جنوب الموصل، بعدما استعادتها القوات العراقية توقفت المحارق وهي معامل تكرير بدائية عن العمل اذ كان تنظيم داعش يبيع النفط الخام على أصحابها لإنتاج الوقود.

 

 

 

الآن التوجه الى البدائل، تنظيم داعش بدأ يبيع بقايا المشاريع وغيرها على السكان ليحولوها الى حطب للطبخ والتدفئة، احمد خضر اكد لـ”نقاش” انه اشترى (250 كلغم) من الخشب من مشروع ملعب لكرة القدم غربي الموصل كانت الحكومة المحلية قد بدأته قبل دخول داعش على الموصل.

 

 

 

“تسابق الناس على شراء الاعمدة الخشبية التي كانت تستخدم لبناء الملعب وخلال اسبوع لم يتبق منها اي شيء منها” يضيف خضر.

 

 

 

بطاطا وبصل

 

في سوق المعاش بالجانب الأيمن من المدينة والذي كان يزدحم بآلاف الاطنان من الفاكهة والخضار المحلية والمستورة على مدار السنة، لم يعد هناك سوى اكياس من البطاطا والبصل بحسب التاجر ابو علي.

 

 

 

كانت الموصل تسمى سلة خبز العراق لأنها تنتج الكثير من المحاصيل الزراعية اما اليوم فقد بات أكل سكانها مقصورا على البصل والبطاطا، حتى ان سوق المعاش التي كانت الموصل كلها تأكل منها باتت شبه مغلقة، يضيف بنبرة حزينة.

 

 

 

وردا على سؤال نقاش حول المدة التي لم تدخل فيها الفواكه الى السوق، ضحك التاجر قائلا: هذا السؤال يذكرني بالمقولة الشهيرة التي نسبت الى ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر “إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء .. دعهم يأكلون كعكاً”، الناس هنا أصبحوا عاجزين عن توفير الخبز ليس همهم الفاكهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *