سقط النقاب عن الوجوه الطائفية بقلم:حامد الكيلاني  

 

صادرات طائفية بشحنات جديدة بدأ الحديث عنها كمهمات قادمة للجيش الطائفي الإيراني الذي تشكل هيئة ‘الحشد الشعبي’ ذراعه المسلحة في العراق، تمهيدا لمهمات تصل إلى الأراضي الأفغانية والباكستانية.

 

600 مختطف من مدينة الصقلاوية في معارك تحرير الأنبار من داعش، وقبل ذلك 1200 تم تغييبهم في الرزازة وكذلك في سامراء، لا تصريحات رسمية عن مصيرهم، ومع كل استفسار من قبل شخصيات مشاركة في العملية السياسية يأتي الجواب بصيغة سننظر أو سنتابع؛ بمثل هكذا إدارة لملفات خطيرة تغدو التصريحات اللاحقة لحيدر العبادي، ومعه وزير خارجيته، غير منسجمة مع حقيقة توجهات ميليشيا الحشد الطائفي وقادته وإعلامييه.

 

فبعد تأكيد نوري المالكي وبحضور علي أكبر ولايتي نائب المرشد الإيراني أن مهمات الحشد “المقدس” لن تقف عند حدود معركة الموصل، وإنما تتعداها إلى حلب ثم اليمن، وأي مكان آخر يستدعي تواجدها لنصرة أبناء الأمة الإسلامية، ويقصد طبعا الولاء لمشروع الولي الفقيه الذي يتجاوز الحدود الوطنية للدول، وهو مشروع سياسي يتكئ على الفقه كإلزام في تنفيذ الأوامر للمقلدين، وهنا تصبح قوانين الدولة العراقية أو دستورها (رغم أن مقلديها من وضع الدستور) بلا معنى إذا تعارضت مع توجيهات خامنئي، فطاعة الولي فوق كل النصوص الوضعية.

 

تحت الولاء المطلق، تصبح الأكاذيب وتضارب التصريحات الرسمية لحكام العراق من جهة، وقادة ميليشيا الحشد خاصة بعد تمرير قانون هيئة الحشد في البرلمان ومصادقة رئاسة الجمهورية عليه من جهة أخرى، مجرد أداء واجب فقهي ضمن صلاحيات وواجبات تصب في خدمة تصدير الثورة، وهو شعار الإرهاب الأول والراعي الرسمي لكل الطبعات اللاحقة منذ 1979 العام الذي غيرّ مسار تاريخ المنطقة باحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، ومجيء الخميني من باريس وقيام دولته “الإسلامية” في إيران.

 

حيدر العبادي وإبراهيم الجعفري وفي تصريحات متزامنة يؤكدان عدم وجود قوات عراقية تقاتل في سوريا إلى جانب النظام، وأن مهمات “الحشد الشعبي” تتوقف ضمن حدود جغرافية العراق؛ ماذا يعني ذلك في ظل واقع الأحداث ولأعوام متتالية من الإعلام المباشر لدور الميليشيات العراقية في الإبادة الطائفية المنظمة للمدن المنكوبة، مع المئات أو الآلاف من القتلى الذين تقام لهم مواكب التشييع وترفع لهم لافتات العزاء والفخر أيضاً لأنهم شهداء الواجب الطائفي المبارك من الولي الفقيه خامنئي.

 

العبادي في ورطة عنوانها المنصب الأعلى في الدولة كرئيس وزراء بالتزامات دولية وإدارية وإعلامية، ومنصبه كقائد عام للقوات المسلحة الذي يفرض عليه قيادة غرفة العمليات المشتركة بكل شجونها ومداخلاتها في الحرب العالمية على إرهاب الدولة “الإسلامية” بمختصره داعش؛ وفي هذه الحالة يلجأ إلى “التقية” في إرضاء ولي الفقيه، وبذات الوقت ينقذ ماء وجه النظام السياسي الحاكم في العراق ومعه وجه القيادة الأميركية التي سلمت زمام بلاد الرافدين إلى إيران في صفقة النووي مثار الجدل، والتي لم تنته فصولها إلا بالمزيد من التداعيات في العراق العربي وأمته العربية.

 

صادرات طائفية بشحنات جديدة بدأ الحديث عنها كمهمات قادمة للجيش الطائفي الإيراني الذي تشكل هيئة “الحشد الشعبي” ذراعه المسلحة في العراق، تمهيدا لمهمات تصل إلى الأراضي الأفغانية والباكستانية؛ ولا نخوض كثيرا في الخلايا “غير النائمة” في أوروبا والعالم التي ستفاجئ في يوم ما حتى المراقبين بنزع جلدها مع مستجدات أوامر الظروف الطارئة.

 

لكن الغاطس في براءة العبادي والجعفري من تهمة مشاركة عراقيين وهم بالآلاف إلى جانب النظام الحاكم وارتكابهم لجرائم حرب موثقة ضد الشعب السوري من الذين تم تحشيدهم ابتداء بالشحن الطائفي المصاحب للفقر والبطالة، بما أجبر أحد دعاة حزب الدعوة الحاكم على وصف تضحياتهم بتمدد القبور دون توقف؛ الغاطس في البراءة يتبين أن العبادي والجعفري يتبرعان بالعراقيين وحياتهم ومستقبل أسرهم ضمن سلة الطائفة إلى مشروع تصدير الثورة الإيرانية، وبالأحرى توفير مشروعية تصدير شباب العراق إلى المقابر واعتبارهم أضحيات لرغبات وطموحات شعار الدفاع عن إيران أولاً.

 

ما يشغل ذاكرة حكام العراق وقادة الفصائل المسلحة داخل هيئة الحشد الطائفي بمقاسات قانونها، مسافة التفضيل في القرب من خامنئي، أي بين قريب وأقرب والأقرب. المبايعة حاصلة ومعظمها من زمن حربهم ضد وطنهم الأم في الحرب الطائفية الإيرانية التي خاضها العراق دفاعا عن وطنه ومواطنيه، المسافة ممكن حسابها بمؤشرات التصعيد والانفلات المذهبي ونغمة الخطابات وما فيها من كراهية وانتقام وثأر وتصفية حسابات تطال أخوة الوطن في الحاضر بأثر رجعي للماضي البعيد الذي يتجاوز القرون، ويعيد محاكمة من يضعهم ولي الفقيه على لائحة اتهامه ليصدر أحكامه من خلال ميليشياته الجاهزة لتغييب بصيرتها وبصرها بما ترتكبه بمجازر متنقلة في حواضر العرب.

 

لم يعد مفاجئا أن تتحول دماء العراقيين إلى برنامج انتخابي ومكاسب سياسية ومقاعد برلمانية وصوت مرتفع في مزاد هيكلة عراق قادم، يشبه تماما انفجار مخزن كبير لمختلف الأعتدة الحربية، السيطرة عليه وتوقع اتجاه المقذوفات وتأثيرها ونوعها من المستحيلات، لكن الأدلة تبين أننا بصدد طمس دور المقاومة العراقية الباسلة ضد المحتل الأميركي وذلك بسرقة نضالها لصالح التجاذبات بين أميركا وإيران على أرض العراق، وتنامي الفصل في الفيلق الإعلامي الإيراني بين الفصائل الميليشياوية كمقاومة إيرانية للوجود الأميركي، وبين ميليشيات هيئة الحشد الطائفي، بما يوحي بأن إيران أخرجت أميركا من العراق وباستطاعتها خلق الأزمات للقوات الأميركية في المرحلة القادمة ضمن بوادر متغيرات في سياسة البيت الأبيض بإدارة الرئيس دونالد ترامب مع إيران.

 

اجتماع قيادات هيئة الحشد الطائفي في إيران مؤخرا يأتي في سياق إعداد الميليشيات لإحكام قبضتها على القرار السياسي كقوة فاعلة في البرلمان والحكومة وبمباركة خامنئي للحشد وقانونه باعتباره رسالة لأميركا التي اجتمع قادتها العسكريون مع قادة الجيش النظامي العراقي وقادة قوات البيشمركة الكردية في قاعدة مخمور جنوب شرق الموصل لتدارس الخطط العسكرية بعد تسريح بيانات العبادي ووعوده من الخدمة، والتعامل بواقعية مع المصاعب في الميدان وحجم التعزيزات المطلوبة نتيجة التعثر في المعركة، وإمكانية زيادة القوات الأميركية وتأثيرها على الأرض، إضافة إلى ضرباتها الجوية مع طيران التحالف الدولي رغم أعراضها الجانبية التي أدت إلى خسائر جسيمة بين المدنيين وآخرها استهداف كنيسة وسط الموصل بمن فيها.

 

أين تتجه معركة الموصل وهي تتنقل ككرة التنس بين مضارب اللاعبين الدوليين وإرهاب الدولتين “الإسلاميتين” تنظيم الدولة والجمهورية الإيرانية وصادراتهما؟ الإخفاق في إحراز تقدم كبير في المعركة سيعزز القناعات بمشاركة الحشد الطائفي في داخل أحياء الموصل وإظهاره بصورة البطل المتفوق الذي يحظى بالدعم الجوي الأميركي وتستحق تضحياته شكر القيادة الأميركية وقنصلها في البصرة الذي زار جرحى الحشد وأشاد بجهودهم في محاربة الإرهاب.

 

بعد غلق المنفذ الغربي للموصل وإجبار داعش على الاستماتة في القتال، أصبحت المبررات واردة للاستعانة بفصائل الحشد الشعبي أو سحب عدد من الفصائل التي شاركت في انتهاكات حلب للمساهمة في حصار الموصل وحصد نتائج المعركة لصالحها بعد حصادها الوفير في الانتقام من أبناء المدن العربية؛ أو البحث عن دفاتر أميركية قديمة كالقبض على البغدادي أو سيناريوهات عسكرية خاطفة. عندما يتبرأ العبادي من الميليشيات العراقية في سوريا، ويتبرع بها إلى إيران يدري، كما يدري الجعفري وزير خارجيته، أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم رغم ولائهما المطلق لشعار الدفاع عن إيران أولاً.

 

كاتب عراقي

حامد الكيلاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *