باحث عن ’رحلة الكاظمي’: هكذا يستفيد منها العراق (تحليل)

قدم الباحث في الشأن السياسي منقذ داغر، رؤيته بخصوص زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن على الولايات المتحدة الاستفادة القصوى من مجيء حكومة الكاظمي، في تعزيز قدرات العراق، ودعم اقتصاده.

عبر كل الزيارات التي إعتاد رؤساء الوزارات الذين توالوا على العراق منذ 2004الى الآن القيام بها،أكاد أجزم أنني لم أرَ  مثل هذا المستوى من الإهتمام الأمريكي بزيارة رئيس وزراء عراقي لواشنطن. وعلى الرغم من ان بعض رؤساء الوزراء السابقين تحدثوا في الكونغرس وهو ما لن يقوم به الكاظمي،لكن نتائج الزيارة لحد الآن تبدو واعدة جداً.وأعتماداً على أهم وثيقتين صدرتا في واشنطن أمس عن الزيارة(حتى الان) يمكنني القول ان العنوان الرئيس لهذه الزيارة هو (شراكة ستراتيجية وفق أهداف محددة).لقد أوضحت هاتان الوثيقتان(البيان المشترك لخارجيتي امريكا والعراق) والرسالة التي وجهها رئيس ونائب لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الى الكاظمي ملامح محددة(وليست شاحبة او فضفاضة)لطبيعة العلاقة التي يريد الاميركان بناءها مع العراق.وكانت هذه الملامح محددة بالنقاط الآتية:

١.التسلسل الذي كتب به البيان المشترك للخارجيتين يعكس وبوضوح أولويات هذه العلاقة،إذ بدأ بالأقتصاد ثم انتقل الى الطاقة،ثم الصحة والبيئة،فالملف السياسي وأخيراً الملف الأمني. وتبدو الرسالة واضحة أن الشراكة مع العراق ليست لأولوية أمريكية أمنية(وإن كانت موجودة)وإنما لشراكة ستراتيجية نافعة لكلا البلدين وفي مقدمتها الأقتصاد.

 2. لأول مرة ألمس تحديداً واضحاً لمجالات التعاون في كل من الملفات أعلاه.ففي الاقتصاد ركز البيان دعم الاقتصاد العراقي من خلال تنمية القطاع الخاص،والتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية(التي تملك امريكا صوتاً مسموعاً فيها)،والأهم هو إتفاق إطار الإستثمار والتجارةTIFA.

 3. في مجال الطاقة كان واضحاً ان التركيز على زيادة انتاج الكهرباء والغاز بالتعاون مع الشركات الأمريكية الكبرى،ودعم أمريكا للتعاون العراقي مع دول الخليج في مجال ربط الكهرباء وأستثمار الطاقة.

 4. في الملف السياسي أكد البيان على إحترام(سيادة) العراق و(وحدة) أراضيه.والتأكيد على إحترام قرارات الحكومة والبرلمان العراقيين(وهي إشارة واضحة للقلق العراقي في هذا الموضوع)ودعم الانتخابات المبكرة وحرية التعبير والصحافة وتقديم المسؤولين عن قتل المتظاهرين للعدالة.

 5. أما في المجال الأمني فقد كانت العبارات واضحة جداً وتشير الى اتفاق على دخول التعاون مع القوات الدولية للقضاء على داعش بقيادة أمريكا،مرحلة جديدة نتيجة تزايد الثقة بقدرات القوات العراقية.هذه (المرحلة الجديدة)تتضمن الاقتصار على الدعم اللوجستي والتدريب للقوات العراقية.وهذا الانتقال للمرحلة الجديدة(كما اسماها البيان)مكّن الاميركان من تقليص قواتهم القتالية وإعادة تموضعها.وستعقد مباحثات فنية منفصلة لمناقشة توقيتات وإدارة هذه المرحلة.وكأنما يؤكد الاميركان ان قواتهم سترحل في النهاية ووفق ترتيبات يتفق عليها مع الحكومة العراقية،مع التأكيد على مسؤولية العراق عن حماية القوات الدولية المتواجدة على أرضه.

 6. كان لافتاً أيضاً التركيز على تطوير التعاون في مجال التعليم العالي و(الشراكة)مع الجامعات العراقية، وكذلك في مجالات الثقافة.

أما الرسالة المكتوبة التي أرسلها السيناتور جيم ريش(جمهوري)وبوب فرناندز(ديمقراطي)وهما أعلى شخصين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فقد كانت أكثر إثارة في رأيي رغم قصرها.

 1.  ليس من المعتاد إرسال رسائل من أعضاء مجلس الشيوخ للرؤساء الزائرين مالم تكن هناك أهمية خاصة من وجهة نظر الكونغرس لهذه الزيارة.وتزداد الأهمية عندما ترسل الرسالة من ممثلي الحزبين مما يشكل توافقاً(نادراً)على أهداف السياسة الخارجية فيما يخص بلد ما.

 2. أكدت الرسالة على مشاركة مجلس الشيوخ للكاظمي في رؤيته لعراقٍ (مستقل) قادر على صيانة أمنه من أي (تدخل) خارجي.

 3. أستخدمت الرسالة مصطلحاً غير معتاد هو (التاريخ المشترك)للعراق وأمريكا،والتأكيد على الرغبة ب(شراكة دائمة).

 4. كان واضحاً إدراك الكونغرس لحساسية العراقيين تجاه موضوع السيادة لذا أكدت على أن التعاون الأمني يجري على أساس (طلب) الحكومة العراقية.وقد أستخدمت الرسالة القصيرة هذه عبارة(سيادة)العراق 5 مرات في إشارة واضحة لإدراكهم لحساسية العراقيين تجاه هذا الموضوع.

 5. وبعكس بيان الخارجية الذي كان دبلوماسياً وتجنب الإشارة للمسائل الجدلية وبخاصة موضوع الميليشيات،فأن الرسالة هذه أشارت بوضوح لرغبة الكونغرس في أن تكون القوات الأمنية العراقية هي الضامن الوحيد(وليس أي مجاميع مسلحة) لأمن وسيادة العراق.

أخيراً، فأن أحتمالات المنفعة العراقية من هذه الزيارة تبدو كبيرة وواعدة،فالأميركان كما هو واضح من هاتين الوثيقتين باتوا مقتنعين أن أي علاقة مع العراق لا تقوم على أساس الشراكة والندية ستفشل.لذا ينبغي أستثمار هذه الأجواء الأيجابية وعدم إهمال متابعة التنفيذ لهذه الاتفاقات. وإذا كانت أمريكا بحاجة للشريك الستراتيجي العراقي لأعتبارات معينة،فأن حاجة العراق لهذه الشراكة وبخاصة في هذا الظرف هي اكبر بكثير وحيوية لمستقبل العراق. لذا ليس على العراق ان ينتظر مبادرة الاميركان للمباشرة بالتنفيذ بل يجب ان يبادر هو من خلال تشكيل لجان متابعة مختصة تعرض تقاريرها الدورية عن الانجاز لمجلس الوزراء. ان علينا أن نستفيد من خطأ عدم المتابعة لتنفيذ إتفاق التعاون الإطاريSFA الذي وقع مع حكومة المالكي عام 2008 وبقي حبيساً في أدراج الحكومات التي لم تنتبه لأهمية تنفيذ ذلك الاتفاق لمصلحة العراق وأجياله.

منقذ داغر/باحث أقدم (غير مقيم) في مركز الدراسات الستراتيجية والدولية بواشنطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *