العراق في جحيم مستقبله / بقلم: فاروق يوسف

 

 

 

ليس لدى الولي الفقيه مشروع في العراق سوى ذلك الذي يمشي العراقيون بين دروب متاهته الآن.

 

لن يكون المستقبل في العراق أسوا مما عليه الحاضر في ذلك البلد المنكوب منذ عقود.

 

جملة تبدو لمَن يقرأها من غير العارفين بأحوال العراق متفائلة. غير أن الواقع من شأنه أن يبطل ذلك التفاؤل.

 

فما الذي يمكن أن يكون عليه الجحيم في مستقبله سوى أن يكون جحيما.

 

العراق هو ذلك الجحيم.

 

فالبلد الذي تكفي ثروته لإغراق شعوب بلدان عديدة بشتى مظاهر الترف والرخاء والسعادة الأرضية يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر.

 

البلد الذي كان قبل عقود نموذجا مثاليا في القضاء على الأمية من خلال برنامجه المتشدد في التعليم الالزامي والمجاني صار اليوم يعج بالأميين الذين يدير بعضهم مفاصل الدولة فيه.

 

البلد الذي رعى العلماء في سالف أيامه صار اليوم جحرا لأفاعي الجهل وعقارب الخرافة.

 

بلد الميني جيب، أول ما ظهر في أوروبا هبط الليل بسواده على نسائه اللواتي أخرسهن الإرهاب وفتاوى فقهاء الظلام.

 

بلد الكتابة الذي تنير حروف الواحه قاعات أعظم المتاحف العالمية صار ملعبا لأمراء الثقافة الشفاهية، الاخباريين من غير سند موثوق.

 

البلد الذي كان يزرع سلة غذائه، مزهوا بثلاثين مليون نخلة، يفخر سكانه اليوم بأنهم يستوردون غذاءهم من أسوأ المزارع في العالم وأكثرها تعرضا للتلوث.

 

البلد الذي لم يعرف في تاريخيه الملكي والجمهوري الرشوة هو اليوم معقل لكبار المرتشين في العالم. اما صغارهم فإنهم اعادوا إلى العراق ذكرى الانكشارية العثمانية التي كانت تفرض الاتاوات على الناس حسب الحروف الأولى من أسمائهم.

 

العراق الذي كان قويا بجيشه صار كرة تتبادلها أقدام القتلة وقطاع الطرق والمشبوهين وشذاذ الآفاق من منتسبي الميليشيات المسلحة.

 

عراق الأطباء والمفكرين والمؤرخين والمهندسين واللغويين والعلماء والعسكريين الوطنيين والشعراء والتقنيين والرسامين اختفى ليحل محله عراق تجار الدين والمشعوذين واللصوص وأصحاب السوابق والمزيفين والمرابين وخدم القوى الإقليمية الصغار.

 

في حقيقته فإن العراق صار بلدا محل شبهات.

 

لذلك فإن حصول العراقي على تأشيرة دخول لأي بلد في العالم هو بمثابة معجزة. الأثرياء الجدد من العراقيين يذهبون اليوم إلى لبنان وتركيا وهما بلدان، صار فيهما العراقي عنوانا للثراء الأبله.

 

العراق اليوم في أسوأ أحواله. وهو ما يعرفه الولي الفقيه خامنئي جيدا. لذلك يسنح لنفسه بالقول “إن الحشد الشعبي هو مستقبل العراق” لا تعبر تلك الجملة عن ذكاء قائلها بل عن صدق تعبيره عن واقع صنعه مريدوه وخصومهم على حد سواء.

 

ليس لدى الولي الفقيه مشروع في العراق، سوى ذلك الذي يمشي العراقيون بين دروب متاهته الآن. وهو مشروع انتج بلدا مفككا وشعبا هائما، مسلوب الإرادة لا يرى من مستقبله إلا تلك المسيرات الجنائزية الذاهبة إلى المراقد الدينية والقادمة منها.

 

لقد تم افراغ المؤسسات التي تقوي المجتمع وتبني الدولة من مضامينها الحقيقية. بقيت العناوين أما المعاني فقد اختفت، بل صارت نقيضها على مستوى التداول الواقعي.

 

فالجامعات التي تتحول في المواسم الدينية إلى حسينيات لم تعد صروحا للعلم. والمعامل وإن امتلأت بالعمال فإن أجهزتها ومكائنها قد فككت وبيعت خردة في السنة الأولى من عمر الاحتلال الأميركي. أما المزارع، فيكفي لوصف عذابها أن تكون مدينة البرتقال بعقوبة قد تحولت إلى أطلال تنعق في فضائها غربان الخراب من المليشيات المتحاربة طائفيا.

 

ليست هناك مؤسسة في العراق لم يضربها الخراب وصولا إلى العائلة، أصغر خلايا المجتمع. وهي الخلية التي لم يعد يعول عليها أحد، بعد أن شل الفساد الطائفي حركة أعضائها.

 

وإذا ما كان العراقيون قد فشلوا في الحل الطائفي فإن اعترافهم سيتأخر بذلك الفشل سيتأخر زمنا طويلا وقد لا يأتي أبدا.

 

لن يعترف العراقيون بالفشل. وهو ما أعرفه عنهم جيدا. لذلك فإن مستقبلهم لن يكون سوى صورة لحاضرهم. لن يتغير شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *